"سويسرا الشرق" هكذا كانت بلادنا تسمى، أو هكذا كنا نحلم أن يكون بلدنا، بلد الحضارة والسياحة والفرح، بلد الراحة والطمأنينة وقبلة كل الدول ومحط أنظار الجميع ووجهة سياحية لكل عاشق للحياة.
ولكن "ليس كل ما يشتهيه المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" وهذا هي الرياح سارت وأصبحنا على الحضيض، فلا السياحة بخير، ولا البنى التحتية قادرة على استيعاب ما نطمح اليه، والسبب بكل بساطة الفساد وجرّ البلاد الى الأسفل لأن كل يريد لبنان على قياسه وعلى قياس وطموحات الشعب الكبير.
لقد مرّت سنوات طوال على الحرب اللبنانية، التي ضربت أساسات الدولة وأدت الى انهيارها، ولكن ومنذ ان انتهت الحرب الأهلية ونحن لا نزال في موقعنا لم نتقدم ولو خطوة الى الأمام.
أليس من المعيب أننا في العام 2018 لا زلنا نبحث عن ساعات كهرباء نسرقها من أمام المسؤولين من دون أن يعرفوا بها؟ أليس من المعيب أن نكون لا زلنا نعاني من بنى تحتية مهترئة وأزمة سير لا تنتهي، ودوائر حكومية غائبة عن السمع، والدين العام الى مزيد من التراكم ومشاريع لا تبصر النور، والى ما هنالك من مشاكل وأزمات تتولد وتكبر يومياً، ولا يوجد من يقف في وجهها ويضع حداً لهذا الانهيار السريع.
"هلموا الى لبنان جنة الله في الشرق"، ماذا بقي من هذه الجنة وماذا فعلتم بها!! لقد حولتوا الجنة الى جحيم حتى بتنا نعتقد أننا سنصل بثيابنا الى الجنة كوننا عشنا النار على الأرض.
هذه الدعاية التي وقعت بين أيدينا تقول: "أمن شامل، جبال شامخة، هواء عليل نقي، ينابيع جارية متدفقة، مياه باردة عذبة، مناظر فتانة ساحرة، غابات واحراج كثيفة مظللة، نشاط، قوة، انتعاش" ولا لها من صدمة سنقع بها حتماً. تعالوا لنفند كل نقطة كانت ستدفعنا الى زيارة لبنان، الأمن الشامل، ويا لها من أمر تحوّل الى نكتة اليوم، كيف لا ونحن نقتل من أجل مباراة كرة قدم، أو من أجل أفضلية مرور.
الجبال الشامخة باتت وديان وحجارها تزين منازل الزعماء، الهواء العليل النقي تحوّل الى هواء ملوث من دون أن نتحدث عن تلوث المياه والأمراض التي نصاب بها من البحر الذي امتلأ من النفايات. وماذا نقول عن المناظر الفتانة الساحرة، والأحراج الكثيفة المظللة، لعل السكوت في هذه النقاط أفضل من الكلام الذي سيصدر والذي سيكون جارحاً.
وما يؤسفنا أكثر أن البلاد التي كانت بالنسبة الينا صحراء، لا حياة فيها، تحولت الى جنة على الأرض فيما بلادنا تحولت الى صحراء، لا حياة فيها.
للأسف نحن في عزّ الموسم السياحي، ولسنا قادرين على اجتذاب السائح الى بلدنا بعد ان كنّا وجهته السياحية الأولى. فلا حكومة تُشعره بالاطمئنان، ولا هدوء سياسي يريحه، ولا بيئة نظيفة تجذبه، ولا أسعار تنافسية تلفت نظره، فلماذا سيأتي الى لبنان، وبماذا نسعى الى ابهار السائح، وهو سيرى كل ما يريده في بلدان أخرى، وبحلل أفضل.
لقد خسرنا بلدنا وبتنا اليوم نحتاج الى أكثر من أعجوبة لنعود الى الخارطة. نحن لا نستحق ما أعطاه الله لنا، فقد حولنا الجنة الى جهنم لا يصلح لأي شيء. فبئس هذا الزمن، "ويا ديعانك يا لبنان".