"إذا بقينا طيبين"، "إذا الله اراد"، "إن شاء الله"، كلمات يردّدها جميع الذين يؤمنون بالإله الواحد المسيّر الكون وضابط إيقاعه، مسلمين ومسيحيين، "فلا تسقط شعرة واحدة من رؤوسكم من دون علم أبيكم الذي في السموات" . وجاء في سورة القمر في القرآن الكريم: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ". ويقول الأمام علي بن ابي طالب"من حرص على الآخرة ملك ومن حرص على الدنيا هلك، والدنيا منقطعة عنك والآخرة قريبة منك".
هذه الإستشهادات لم تأت من عدم، بل هي نابعة من إيمان كل إنسان، إلى أي دين انتمى، بأن الكون مسيّر بإرادة خالقه، "لأن تلك الساعة لا يعرفها إلاّ الأب السماوي"، وهي دلالة إلى أن الإنسان لا يعرف ما يخبئه له المستقبل، وهو إبن لحظته فقط.
مناسبة الحديث أن لي جارًا، هو بمثابة أخ لي، عرفته منذ 36 سنة، ولم يكن يمرّ يوم واحد لا نلتقي فيه معًا على فنجان قهوة أو في سهرة "بيتوتية"، له ولدان يعملان في دولة الإمارات العربية، الأول سيمون، متزوج وله ولدان، بنت وصبي، والثاني داني كان على أهبة الزواج.
بدأت التحضيرات لعرس داني منذ شهور، ولم تكن جلساتنا تخلو من الحديث عن هذه الفرحة المنتظرة.
في 13 الجاري تم توزيع بطاقات الدعوة إلى عرس داني، وكانت الدنيا تكاد لا تسع جاري "ابو سيمون" لشدّة فرحه بالعرس المنتظر.
فجرالسبت في 14 الجاري جاءني إتصال من زوجته وهي تبكي وتنوح وقالت لي بصوت متهدج راح "أبو سيمون". وساد صمت حسبته دهرًا.
لم أصدّق ما سمعته أذناي. فرفكفت عينيي جيدًا لأتأكد بأني لست في حلم، فكانت الصدمة أقوى من الواقع.
"ابو سيمون" رحل عن تلك الدنيا ليترك محبيه في حيرة من أمرهم، وبات بلا حركة، وهو الذي كان حركة دائمة لا تهدأ.
فكل ما حلم به ذهب في لحظة سكون، وتهاوت الأحلام في وادي الجمود البارد.
رحل "ابو سيمون" وترك وراءه فراغًا ما بعده فراغ، وهو الذي كان في حياته يملأ كل الفراغات.
قبل موته بيوم كنا في إجتماع لمالكي المبنى حيث نقطن لمناقشة موضوع ترميمه بـ"التي هي أحسن" من الخارج، لكنه أصرّ على أن يكون الترميم شاملًا وليس من "قريبو"، وذلك لئلا نضطّر بعد كم سنة لمعاودة الترميم، وهو بالطبع لم يكن يعرف أن ساعته قد اصبحت وشيكة، وهو الذي كان يؤمن بقول الإمام علي "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا وإعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا".
ونعود إلى البداية "إذا بقينا طيبين"، وهو قول لا ننفك نردّده في كل مرّة نكون مقدمين على مشروع مستقبلي، لنخلص إلى التسليم بما هو مكتوب لنا من قدر لا مفرّ منه، من دون أن يعني ذلك الإستسلام والعمل الفارغ من أي طموح، الذي لولاه لما كان تقدّم ولا تطور في حياة لا تتوقف في محطات الإنتظار.
"ابو سيمون" في حياتك علمّتني الكثير الكثير من الحكم، وفي مماتك علمّتني أكثر من الكثير، فأرقد بجوار ربك بسلام.