بتفاؤل حذر يقارب اللبنانيون "تشريع الحشيشة" وبين النكات والتحضير لقوننة زراعة القُنب الهندي، تكمن الخشية من تشريع تصنيع المخدرات والإتجاربها في بلد لا يشكل القانون فيه الكلمة الفصل. وفي هذا السياق ينقسم خبراء الإقتصاد بين من يرى في تشريع هذه الزراعة مردوداً مادياً كبيراً من شأنه أن يخلق فرص عمل كبيرة ويغذي الخزينة، وبين من يخشى من أن يشكّل القطاع باباً جديداً من أبواب الفساد والمحسوبيات، والتجارب اللبنانية في أكثر من قطاع خير دليل.
على أي حال مسألة تشريع زراعة الحشيشة على قاب قوسين أو أدنى. فعندما كشف رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن توجه لبنان لتشريع هذه الزراعة لأهداف طبية في حضرة السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد، كان نواب كتلته يعملون على تحضير قانون بهذا الشأن بحسب ما أكّد النائب قاسم هاشم لـ " لبنان 24 "، "يتم التحضير لإقتراح قانون متكامل لتشريع الحشيشة من قبل كتلة "التنمية والتحرير"، وقد يقدّم بشكل مشترك مع كتلة "الوفاء للمقاومة" كون أعضاؤها معنيون أيضًا، وسيتمّ تقديمه إلى المجلس النيابي قريباً جداً. ويتطلب الأمر استحداث إدارة على غرار إدارة حصر التبغ والتنباك، وسيكون الموضوع مقونن ضمن إطار محدد ولغايات طبية فقط" .
قد يكون الرئيس بري، بحسب مصادر مراقبة، قصد استشراف الموقف الأميركي بإثارة الموضوع أمام السفيرة الأميركية دون سواها، ولا سيّما في زمن العقوبات الأميركية على "حزب الله"، وخصوصية منطقة البقاع بالنسبة إلى الحزب كبيئة حاضنة، مع ما يعني ذلك من محاذير أميركية من إمكان مساهمة تشريع الحشيشة في تمويل الحزب بطريقة ما.
الخبير الإقتصادي الدكتور غازي وزي توقّع إقرار القانون، ولفت عبر "لبنان 24" إلى أنّ الطرح ليس جديداً، إذ أن عدداً من القوى السياسية فكّرت به منذ سنوات منهم الرئيس بري، وكان رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أول من طالب به، وأتى رأي ماكيزي كشركة أميركية للإستشارات لتدعم تلك الآراء، كما أنّها تشكل عاملاً مساعداً لتسويقه في الخارج".
وعن المردود المادي المتوقع من جراء تشريع الحشيشة لفت وزني إلى أنّ الأمر يتوقف على تحديد المساحات الزراعية التي ستخصص لهذه الزراعة في منطقة البقاع، والتي ربما تتجاوزها إلى مناطق زراعية أخرى، كما أنّه يرتبط بعدد المزارعين الذين سوف يلجأون إلى هذه الزراعة كزراعة بديلة، والأمر منوط أيضا بكلفة الزراعة. ولكن بشتّى الأحوال أضاف وزني "ما هو مؤكد أنّ هذه الزراعة تشكّل عاملاً مساعداً للإقتصاد الوطني، وبرأي فإن إيرادات هذه الزراعة في السنوات المقبلة ستفوق المليار دولار. كما أنّها عامل مساعد في التنمية المناطقية خاصة في البقاع، من ناحية خلق فرص عمل بشكل كبير، وقيام صناعات يتطلبها القطاع، ومن ناحية البنية التحتية في المنطقة التي سوف يتمّ تطويرها من كهرباء وماء وصرف صحي وطرقات".
معيار نجاح تشريع هذه الزراعة أو فشلها يتوقف، بحسب وزني، على طريقة تنظيمها وضبطها قانونياً "المردود الإقتصادي والمالي يكمن في حسن تنظيم هذا القطاع، من خلال تطبيق النموذج الموجود في الريجي، وتحديد كوتا للمزارعين، على أن تشتري الدولة المحصول وتكون مسؤولة عن تصديره. ويجب الأخذ بالإعتبار تجارب الدول التي شرعت هذه الزراعة".
محاذير عدّة ترافق مرحلة التحضير لدخول لبنان نادي الدول المشرعة لزراعة حشيشة الكيف، وأبرزها إمكان تجاوز الاستعمال الطبي والذهاب إلى تصنيع المخدرات والإتجار بها في صفوف الشباب اللبناني، وعندها ستقضم التكلفة الصحية المردود المالي المتوقع.
وزني يعتبر هذه المحاذير مشروعة ويسأل في المقابل: "هل تُزرع الحشيشة في لبنان خارج نطاق القانون أم لا؟ وهل التهريب والتصدير للخارج موجود اليوم أم لا؟ الفرق أنّنا نضبط زراعة قائمة بحكم الواقع ونضع لها أطراً تنظيمية ، والشباب اليوم ومع الأسف قادر على الحصول عليها بسهولة بسبب تجار المخدرات. والأهم أنّ القانون يشرع زراعة الحشيشة لغايات طبية ولكن لا يشرع استخدامها".
القنب الهندي يزرع ومنذ زمن في البقاع، والتهريب ناشط على رغم نجاح القوى الأمنية بكشف عشرات عمليات التهريب بأساليب مبتكرة، ومشاهد تلفه بين الحين والآخر لم تخرج عن الإطار الشكلي غير المجدي في معظم الأحيان في منطقة تضعف فيها سلطة الدولة. ويبقى السؤال حول مدى قدرة الدولة على ضبط الحشيشة والحشّاشين والمروجين والمتجارين، وهم كُثر خارج نطاق التشريع، فكيف الحال بعده؟