كرس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مزار وتمثال القديس مار شربل في بلدة حمانا، خلال قداس ترأسه في باحة المزار في منطقة المرج، وألقى عظة قال فيها: "أهنئ أهالي حمانا والمنطقة على ارتفاع تمثال مار شربل ومزاره على أرضهم الطيبة. فالقديس يجد، في ربوعكم وجمال بلدتكم، مكانه المناسب، حيث يكرم بإيمان ومحبة وإخلاص. ففيها يجد عائلات مسيحية مؤمنة أعطت دعوات أسقفية وكهنوتية ورهبانية. وتروحنها كنائس، وتنعشها أديار ومدارس ومؤسسات، ويخدمها كهنة ورهبان وراهبات، أحييهم وأشكرهم على حضورهم ورسالتهم، متمنيا لهم المزيد من العطاء، من أجل إبقاء شعلة الإيمان والرجاء متقدة في قلوب أجيالها الطالعة بوجه ظلمات الهم والقلق وخيبات الأمل. فيشعر الجميع بواجب الصمود، على مثال الآباء والأجداد، من أجل المحافظة على وطننا بأرضه وكيانه ودوره ورسالته في منطقتنا الشرق أوسطية. فلبنان يتميز بالتعددية الثقافية والدينية ضمن وحدة وطنية، فيما جميع البلدان في محيطه العربي أحادية الدين والثقافة والسلطة. وها دولة إسرائيل التي يروج لها العالم الغربي بأنها ديمقراطية، تعلن نفسها، بقرار اتخذه الكنيست في 19 تموز الجاري، أنها "دولة قومية، وطن للشعب اليهودي"، وأن "العبرية لغتها الرسمية"، مع انتزاع هذه الصفة عن اللغة العربية، وأن "القدس الكاملة والموحدة هي عاصمتها".
وأردف: "إن هذا الإعلان الرسمي بيهودية الدولة يقضي على القضية الفلسطينية ومساعي السلام، ويقصي المسيحية والإسلام، ويناقض قرارات الشرعية الدولية بحفظ "الوضع الراهن" (statusquo)، وباعتبار القدس مدينة ذات نظام دولي، ومنفتحة للديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام ولجميع الأمم والشعوب. فمن واجب منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن اتخاذ قرار يبطل قرار الكنيست، ويعيد الأمور إلى ما كانت عليه، وفقا للقرارات الدولية السابقة. لذا، نطالب السلطة السياسية في لبنان الخروج من عالم المصالح الشخصية والفئوية الصغير، والإنطلاق نحو عالم أوسع. فتؤلف بأسرع ما يمكن حكومة ذات رؤية وفاعلية، تحصن لبنان وتقويه وتنميه، لكي يبقى وطن الإنفتاح والتنوع والحريات والعيش معا بين الأديان والثقافات".
وقال: "الزرع الجيد هم أبناء الملكوت" (متى 13: 38). حافظ القديس شربل على طبيعته "كزرع جيد" زرعه المسيح، فصان طبيعية الجيدة هذه من زؤان الخطيئة والشر وتجارب الشرير؛ وزينها بالفضائل الإلهية: الإيمان والرجاء والمحبة، وبفضائل نذوره الرهبانية الطاعة والعفة والفقر، وبالفضائل الروحية والأخلاقية والإنسانية. فأعلنت الكنيسة تمهيدا لتطويبه وتقديسه أنه "عاش ببطولة كل هذه الفضائل". وها الأعاجيب التي اجترحها ويجترحها كل يوم وتحت كل سماء، في الأجساد والأرواح والنفوس، تأتي علامة ناطقة لسمو هذه البطولة التي استمدها من الصلاة والتأمل والتقشف والتجرد، ومن اتحاده الكامل بالله. فليكن ارتفاع تمثاله ومزاره على هذه القمة دعوة لنا جميعا لنرتفع إلى قمم الروح والقيم الإنسانية والأخلاقية والوطنية؛ بل ليرفع جميع الناس إلى فوق، إلى حيث هو هذا "ابن لبنان وقديسه"، قلوبهم وأفكارهم وعقولهم، ويستمدوا النور الحقيقي الذي يبدد كل الظلمات في حياة العائلة والكنيسة، وفي حياة المجتمع والدولة".
أضاف: "إن أولى الظلمات هي الفساد الذي يشوه ويعطل كل شيء. نرى الفساد في أوجه متعددة: الإجتماعي والسياسي والإداري والإعلامي والأخلاقي. فالفساد الإجتماعي ظاهر في تدني الأخلاق، وسوء التعاطي، وعدم احترام الآخر، وانتهاك الصيت والكرامة؛ والفساد السياسي واضح في السعي إلى المصالح الشخصية الرخيصة والحصص الفئوية، وسلب المال العام، وشراء الرأي والصوت والموقف، وتقاسم المغانم من المشاريع العامة على حساب خزينة الدولة، وممارسة الزبائنية من أجل النفوذ، على حساب القاعدة الحقوقية، وإلزام المواطن بالتبعية للحصول على أبسط الحقوق الحياتية اليومية (راجع مقال أنطوان مسرة، "كيف تشوه أرقى المبادئ الدستورية في لبنان"- النهار 12 تموز 2018)؛ والفساد الإداري متفش في الرشوة وفرض الخوات لقاء أي معاملة ومشروع، وفي الاستهتار بحقوق المواطنين وكرامتهم، وبالإهمال في إنهاء المعاملات، وبموت الضمير المهني؛ والفساد الإعلامي يظهر في سوء استعمال حرية التعبير، وتضليل الرأي العام، والإساءة إلى الغير، وبث سموم التفرقة والنزاعات، وإفساد الأخلاق وقتل القيم. أما الفساد الأساسي الذي هو في أصل كل فساد، إنما هو الفساد الاخلاقي، الذي بسبب الجفاف الروحي وانتفاء الصلاة المخلصة لله، والابتعاد عن ممارسة الأسرار ولاسيما سر التوبة وقداس يوم الأحد. هذا الفساد يظلم عقل الإنسان ويختنق ضميره، فيضيع قاعدة التمييز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين العدالة والظلم".