يقول أحد مزارعي "الحشيشة" في البقاع، إن "هذه النبتة التي سخّرها الله لنا في أرضنا هي "شتلة الجنّة"، ولن نتوقّف عن زراعتها مهما حصل".
فهذه الزراعة، تشكّل العامود الفقري الاقتصادي لأهل البقاع الشرقي، لكنّها جعلت من المنطقة بأكملها "منطقة خارجة عن القانون"، بفعل منعها، وجعلت أبناءها هاربين من العدالة، من دون أن يغيّر ذلك، على مرّ السنوات، في نظرة المسؤولين والحكومات لهذا "الكنز الزراعي" الذي كان من الممكن أن يدرّ ملايين الدولارات على خزينة الدولة اللبنانية على مدى أعوام.
بعد كل هذا الإهمال، لماذا فُتح الملف اليوم؟
عند كلّ هزّة اقتصادية في البلد، تعود الأنظار الى مصادر المداخيل السريعة والوفيرة، كزراعة "الحشيشة"، التي فُتح ملفها على مصراعيها منذ 4 سنوات، بفضل عمل صحافيّ دؤوب أنجزته يمنى فواز عبر "قناة الجديد".
في ذلك الحين، كان لبنان أمام "خنقة اقتصادية" قاسية دفعت يمنى الى التحرّك نحو البحث الصحافي عن بديل إقتصادي، لطالما شكّل "تابو" لدى المجتمع، فقابلت المزارعين والتجّار في منطقة زراعة الحشيشة، وحملت مطالبهم وهواجسهم الى جانب الحكومة.
وبعد سلسلة تحقيقات ميدانية، تيقنّت من المفعول العلاجي لهذه النبتة، فبات الجانب الطبّي هو دافعها الثاني بعد الوضع الاقتصادي، لحمل لواء قضية "تشريع الحشيشة"، بحسب ما قالت لـ"لبنان 24".
أمّا اليوم، فقد تحرّك الملف بفعل توصية أصدرتها شركة "ماكينزي" الأميركية الموكلة من الحكومة وضع خطة للنهوض الاقتصادي، بتشريع بيع "الحشيشة" لغايات طبيّة.
وفي السياق، أعلن المجلس النيابي أنه بصدد التحضير لإقرار القوانين لتشريع زراعة الحشيشة، وقد أبلغ الرئيس نبيه بري الأميركيين عبر سفيرتهم "نية لبنان إقرار التشريعات اللازمة لزراعة الحشيشة وتصنيعها للإستعمالات الطبية، ضمن إطار قانوني تنظيمي شامل، على غرار العديد من الدول الأوروبية وبعض الولايات الأميركية".
توافقٌ داخليّ.. ودوليّ
يقول أهل البقاع "تراب منطقتنا لا ينتج الا الحشيشة"، فكلّ الزراعات البديلة منذ أواسط الستينات لم تنجح، زارعة دوار الشمس على أيام الرئيس شارل حلو، وما تلاها من زراعة الزعفران والقطن حتى التسعينات.. كلها محاولات باءت بالفشل، والأموال التي خصصتها الأمم المتحدة لدعم البدائل تبددت بقدرة قادر!
و"الحشيشة" هي نبات برّي، وجد في البقاع منذ الأزل ربما بفعل مناخه الجاف والبارد شتاءً والحار صيفًا، وبسبب تربته الخصبة والعميقة، لذا فإن أي زراعة أخرى قد تنجح لكن مردودها لن يكون كافياً لأهالي المنطقة.
ويفيد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدّرات، أن لبنان كان خلال فترة الحرب المصدر الرئيس للمخدرات في الشرق الأوسط، وكان ينتج سنويًا ألف طن من الحشيشة وما بين 30 و50 طنًا من الأفيون، فزراعة الحشيشة كانت تدرّ في الثمانينيات على منطقة بعلبك - الهرمل ما يقارب 500 مليون دولار سنويًا، الا أن الأمر توقف مع استمرار حملات القوى الأمنية بتلف المحصول المحظور عاماً بعد آخر، بدعم "السوريين والأميركيين" وفق ما تنقل يمنى فواز عن مزارعي الحشيشة في البقاع.
مؤخراً، ومنذ أن فُتح ملف الحشيشة في 2014 توقّف التلف، وكاد الأمر أن يتطور خطوة الى الأمام، حيث أن شركة كندية طلبت من وزير الزراعة أكرم شهيبّ حينها، استيراد محصول الحشيشية لأهداف طبية، وبعد استمزاج آراء الأطراف السياسيين، كان هناك قبول واضح من الجميع باستثناء "حزب الله" الذي عرقل ذلك المسعى، وفق ما تقول فواز لـ"لبنان 24".
فوائد اقتصادية "للحشيشة"
بعض الدول الاوروبية مثل هولندا وبلجيكا فرنسا وألمانيا، تنبهّت الى الأهمية الاقتصادية والطبية لهذا المنتج فسمحت باستخدامه إن بوصفة طبية (حظر جزئي) وإن للاستعمال الشخصي ولكن بكميات محدودة ولعمر معيّن وفق القانون، وكذلك فإن 22 ولاية أميركية شرّعت حتى الآن "الحشيشة".
أما حكومة أورغواي فقد منحت التراخيص لشركتين لزراعة الماريجوانا والتجارة بها في إطار جهود لتقويض التجارة غير القانونية من قبل عصابات المخدرات، وهي تعتبر رائدة في العالم في تقنين وتشريع زراعة واستخدام "القنب الهندي" تحت رقابة الدولة بغية السيطرة على هذا السوق في ظل شيوع تجارة المخدرات ونشوء ظاهرة عصابات التهريب.
وبالتالي، فإن قوننة هذه الزراعة في لبنان استناداً الى التجارب العالمية، يضع حداً للتفلت الأمني في البقاع، ويفتح الباب أمام تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي لأبناء البقاع المُهمل إنمائياً والذي تغيب عنه أبسط الخدمات الأساسية، وحيث هموم المعيشة تفوق الإحتمال، والظروف الإقتصادية تزداد سوءًا كل يوم.
وهنا تقول فواز لـ"لبنان 24" إن بعض المزارعين لا يجنون أكثر من 20 مليون ليرة في الموسم، وهو مبلغ لا يكفيهم للاستشفاء والتعليم وتأمين أبسط الحاجيات على مدار السنة، فيما الاشكالية تكمن في أن المزارع البقاعي متروك لرحمة التجار والسماسرة والعصابات القوية المسيطرة على التجارة في تلك المنطقة.
وتضيف فواز إن المزارعين لا يثقون بالدولة وبما يمكن أن تقدمه من استراتيجيات بديلة، كذلك فإن البقاع منطقة أمنية، ولن تتمكن الدولة من قوننة وتشريع هذه الزراعة الا اذا فرضت سيطرتها على المنطقة كاملة.
فوائد طبية
أظهرت الأبحاث الطبية مؤخراً أن "الحشيشة" لا تندرج بقائمة المواد المسببّة للإدمان عموماً، وهي أقل تأثيراً بكثير من التبغ، لخلوّها من المواد الاصطناعية والنيكوتين.
وهي علاجٌ أو مسكّن للكثير من الأمراض المستعصية مثل السرطان، التصلّب اللويحي، الصرع، الزهايمر، والباركينسون وغيرها... لا سيما الزيت المستخرج من الحشيشة.
وفي هذا السياق، تقول فواز إن الأمر عُرض على وزارة الصحة التي كان يشغلها وائل أبو فاعور حينها، وأن عملها على هذا الملف عرّفها على حالات مرضية شفيت باستخدام هذه النبتة، وأنها تلّقت اتصالات من أناس يرغبون في الاستحصال على هذه المادة للتخلّص من أوجاع أمراضهم أو الشفاء من السرطان، لكنها شددت في المقابل على أن الأمر في لبنان ممنوع ومن الممكن أن يُدخل السجن.
وفي هذا السياق، تقدّمت الجامعة الأميركية في بيروت بطلب لانشاء أول مركز لأبحاث "الحشيشة" الطبية في لبنان، آملة في أن تتمكن من استئجار قطعة أرض في البقاع لزراعتها بالقنب بهدف إجراء دراسات على مواصفاته الكيميائية، مما سيسهم حتماً بتطوير هذه الزراعة والاستفادة القصوى من خصائصها الطبية.
وعن الفوائد الطبية والاستعمال الشخصي، تشير فواز الى أن هناك مجموعة أشخاص من المتخصصين تعمل منذ العام 2014 على التوعية في موضوع تشريع الحشيشة، وقد استأنفت نشاطها اليوم على ان يُتابع عبر الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لنشر الوعي حول "الحشيشة" واستعمالاتها.
هل يصبح لبنان أول دولة عربية تشرّع الحشيشة؟
جودة "الحشيشة" البقاعية تعدّ من الأفضل بالعالم، وهو ما تراه بأم العين في الـ"coffee shops" في العاصمة الهولندية أمستردام مثلاً، حيث أن "سيجارة الحشيشة" اللبنانية أو ما يسمى هناك بالـRed lebanese على رأس الـMenu وبأغلى سعر، مع الأخذ في الاعتبار أن هولندا تسمح بالحشيشة في مقاهيها وتحت مراقبة الشرطة.
اذاً، فإن "تشريع الحشيشة" زراعةً واستخداماً ضمن اطار تنظيمي قانوني، قد يدرّ على لبنان مليار دولار سنوياً على الأقل بحسب وزير الاقتصاد رائد خوري، وهو مبلغ رأت "ماكينزي" أن خزينتنا بحاجة اليه اذ أن لبنان بات في المركز الثالث من حيث المديونية العامة في العالم، وبما أن "تشريع الحشيشة" يبدو أنه سلك طريقه الى التحقق عبر البرلمان، يبقى السؤال: هل ستتمكن الدولة من ادارة هذا الملف بعيداً من المحاصصة، وتضرب بيد من حديد تُقصي فيها المافيات والعصابات التي تتحكم بهذه التجارة؟