اكتملتْ "الدائرة المقفلة" حول ملف تأليف الحكومة الجديدة التي يُخشى أن تكون باتت أمام سيناريوهين "أحْلاهُما مُرّ" لولادتها القيصرية ولو بعد حين: الأول على شكل حكومة وحدة وطنية برئاسة زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري وبشروط "حزب الله" وحلفائه ربْطاً بما يعتبرونه "انتصاريْن" انتخابي في لبنان واستراتيجي في سورية، والثاني على شكل حكومة أكثريةٍ بلا الحريري بعد أن يُحرَج فـ… يَخْرُج.
وأمس كان يوم انكشاف "القطب المخفية" في مسار التأليف الواحدة تلو الأخرى، وسط ارتسام تَلازُمٍ بين التعقيدات ذات الصلة المباشرة بصراع الأحجام وبين الطبَقة الخارجية لهذا الملف التي يراوح تظهيرُها بين حدّيْن:
الأول، يعمد من خلاله "حزب الله" إلى ربْط تأخير ولادة الحكومة بـ "أوامر خليجية"، وصولاً إلى حديث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته أمس باحتفال عيد الجيش عن تأخُّر التأليف في زمن "صفقات القرن".
والثاني ما تعبّر عنه أوساط سياسية ترى أن المعطى الخارجي يتّصل فعلياً برغبة فريق "8 آذار" في تشكيلةٍ "تشبه" الستاتيكو الجديد الذي أرساه "الانقلاب الناعم" في الانتخابات النيابية الذي فاز فيه هذا الفريق بـ 74 نائباً وأكملتْه "الحياة الجديدة" التي كُتبت لنظام الرئيس بشار الأسد، أي عملياً الارتداد على التوازنات التي ارتكزت عليها التسوية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي في تشرين الأول 2016 وعدم السماح تالياً بعودة الحريري وحزبيْ "القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي"، وهم خصوم الأسد، إلا بأحجام لا تتيح لهم التأثير بالمعادلة السياسية.
ومن هنا، تقرأ هذه الأوساط تَمسُّك الحريري بحكومةٍ وحدة وطنية وفق معايير تسوية 2016 و"الشراكة" بمعنى مشاركة القوى الرئيسية الأكثر تمثيلاً بما يريحها وبعيداً من منْح أي فريق لوحده "الثلث المعطل" أو مع حلفاء له الثلثين في مجلس الوزراء، وأيضاً بعيداً من أي أعراف مثل تمثيل كل الكتل البرلمانية في الحكومة نسبياً وفق أحجامها النيابية، وصولاً إلى خوْضه هذه "المعركة" في “خندق واحد” مع "القوات" و"التقدمي".
ويصبح لـ "وحدة الجبهة" بين الحريري – "القوات" – "التقدمي" بُعداً سياسياً أكبر في ظلّ "الاندفاعة الهجومية" من الرئيس المكلف، رداً على إطلاق فريق عون و"حزب الله" معركة التطبيع المبكر مع النظام السوري، وهو ما عبّر عنه الحريري بكلامه أول من أمس: "من المستحيل أن أزور سورية، في وقت قريب ولا بعيد، حتى وإن انقلبت كل المعادلات، وإذا اقتضت مصلحة لبنان ذلك فساعتها بتشوفولكم حدا تاني غيري".
وتحت هذا السقف برزت مجموعة إشاراتٍ أمس تشي بأنّ أزمة تشكيل الحكومة دخلتْ مرحلة "اللعب على حافة الهاوية"، وأبرزها:
ان عون وبعدما نُقل عنه انه "إذا استمرّ تعثّر قيام حكومة وحدة وطنية فلتكن حكومة أكثرية بمَن حضر، ولتكن المعارضة في مجلس النواب، وعلى الرئيس المكلف أن يحزم أمره في هذين اليومين وأن يضع حداً للدلع السياسي الظاهر"، بادَرَ في كلمته باحتفال عيد الجيش إلى تظهير عناوين "الاشتباك" مع الحريري الذي كان حاضراً وسُجِّلتْ مصافحة فاترة جداً بينه وبين رئيس الجمهورية.
فعون كرّس معاييره لحكومةٍ يريدها وفق نتائج الانتخابات، متفادياً الكلام عن حكومة وحدة وطنية بل عن حكومة "جامِعة للمكوّنات اللبنانية"، غامزاً ضمناً من رفْض أي حصْر للتمثيل الدرزي بزعيم "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط أو للتمثيل السني بالحريري، وذلك بكلامه عن "ان صوت اللبنانيين الذي تَمثل في مجلس النواب، يجب أن ينعكس أيضاً على تشكيل الحكومة. وكلنا تصميم في هذا الإطار ألا تكون فيها الغلبة لفريق على آخر، وألا تحقق مصلحة طرف واحد يستأثر بالقرار أو يعطّل مسيرة الدولة، فعزمنا واضح وهو أن تكون هذه الحكومة جامعة للمكونات اللبنانية، من دون تهميش أي مكون، أو إلغاء دوره، ودون احتكار تمثيل أي طائفة من الطوائف".
وحَمَل تلميح عون بأنه "ملزم بحكم مسؤولياتي كرئيس للجمهورية، على احترام آمال الناس الذين عبّروا في صناديق الاقتراع عن خياراتهم وعدم السماح بالتنكر لها" إشارةً ضمنية لما يتردّد عن خيارات دستورية يملكها رئيس الجمهورية وبينها مخاطبة البرلمان حيال ما آل إليه مسار تشكيل الحكومة، وهو ما سبق أن اعتُبر أنه قد يفتح الباب أمام إحراج الحريري وربما… إخراجه.
كما استوقف المصادر السياسية تأكيد عون عزمه "بالتعاون مع دولة الرئيس المكلف، على إخراج البلاد من أزمة تأخير ولادة الحكومة… لأن أي انكفاء في هذه المرحلة من تاريخنا المحاطة بالأعاصير وصفقات القرن، هو خيانة للوطن وآمال الناس".
(الراي الكويتية)