"حركة بلا بركة" هكذا يمكن وصف الاتصالات والمشاورات التي تجري على أكثر من صعيد ويجريها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري مع عدد من الافرقاء على الساحة الداخلية اللبنانية، بانتظار اللقاء الذي سيجمعه بوزير الخارجية جبران باسيل.
لا أحد مستعجل على تأليف الحكومة
ونقل زوار بعبدا عبر "النهار" عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قوله ان الرئيس المكلف غير جاهز بعد لتسليم رئيس الجمهورية تشكيلة حكومية وفق القواعد أو الاطر المحددة لتمثيل الجميع لتكون حكومة وحدة وطنية بالفعل، ولا تستبعد أحداً ولا تكون فيها الغلبة لقوى أو فئة على أخرى، كما أكد عون في كلمته في الكلية الحربية بالفياضية.
وقالت مصادر مواكبة لحركة التأليف لـ"الجمهورية" انّ "ما كان يُغمز اليه في السابق عن تعثر الاستحقاق الحكومي بات اليوم حقيقة. فالحديث عن أن ولادة الحكومة ستطول بعد الانتخابات النيابية لم يأتِ من فراغ وبات اليوم حقيقة ماثلة امام الجميع". واضافت: "على رغم كل الاجواء المتفائلة التي تشاع بين فينة وأخرى فلا احد يستعجل التأليف، لأن الجميع باتوا مقتنعين بأن تأخره لمزيد من الوقت سيكون لمصلحتهم في ضوء حساباتهم السياسية والاقليمية. ففريق 8 آذار يرى ان الانتظار لفترة شهر او شهرين مفيد له، بحيث تكون الصورة الاقليمية قد تبلورت بطبعتها النهائية، وكذلك صورة الميدان السوري، إذ ان هناك شدّ حبال يدور الآن بين موسكو وطهران حول تقاسم النفوذ على الساحة السورية، علماً ان هناك همسا كثيرا عن ان التأثير السوري في الحكومة العتيدة سيكون كبيراً. وبالمقابل، فإنّ فريق 14 آذار لا يضيره الإنتظار لمزيد من الوقت لكي لا يقدّم تنازلات قد يخسر فيها ما يمكن ان يحصّله في مواجهة مشروع الفريق الآخر".
ولفتت المصادر نفسها الى "انّ كل فريق سياسي يسعى من خلال هذا المشهد الى تحصيل ما هو لمصلحته ولحساباته الشخصية، وتعزيز رصيده لخوض معاركه المستقبلية والمعركة الام فيها هي المعركة الرئاسية". وقالت: "انّ الاولوية لم تعد لتأليف الحكومة إنما لتحصين الجبهات، ومن هنا كانت زيارة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع لـ"بيت الوسط" التي لم تأت بجديد، وزيارة موفد الحزب التقدمي الاشتراكي النائب هادي ابو الحسن لمعراب مُوفَداً من رئيس الحزب وليد جنبلاط، في الوقت الذي توجّه النائب وائل ابو فاعور الى موسكو للقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف".
وفي هذا الاطار، سألت مصادر في "التيار الوطني الحر" "عبر النهار": "لا نعلم الى اين يسير بنا الرئيس الحريري، هل يريد تثبيت مفاعيل ما كان يراد للبنان في 4 تشرين الثاني الماضي، اليوم؟ نحن متمسكون به ونريده شريكاً في العهد، لذا الطلب الوحيد والملح هو ان يضع المعيار الذي سيعتمده مع الجميع في موضوع التشكيل بدءا بفريقه السياسي، ونحن سنقبل به. لا لقاء في المدى المنظور بين باسيل والحريري اذا لم تبرز اي معطيات فعلية وجدية على الارض في موضوع التشكيل تبشّر بالانتقال الى الخطوة الثانية، ولا معنى لأي لقاء من دون ان يكون هناك تطور ايجابي". ورفض المصدر الحديث عن سحب التكليف من الحريري، واعتبر ان "الامور لم تصل بعد الى سيناريو الموافقة على تشكيلة الحريري الحكومية وعدم اعطائها الثقة لاحقاً واعادة تكليف شخصية اخرى".
لقاء عون- الرياشي: ايجابية يبنى عليها
وعلى وقع الجمود الذي يحكى عنه، شكّل اللقاء الذي عقده رئيس الجمهورية مع وزير الاعلام ملحم رياشي، موفداً من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع نقطة تحوّل على صعيد الحكومة، فالرياشي، وبحسب "الجمهورية"، "نقل الى عون المعادلة الجديدة لـ"القوات" التي تختصر مطالبها النهائية من تشكيلة الحكومة العتيدة، وهي تقع بين خيارين يلتقيان عند امر واحد وهو الإصرار على 4 حقائب، وأولها ان يكون من بينها موقع نيابة رئاسة الحكومة". وإذ ابلغ عون الى الرياشي انّ موقع نائب رئيس الحكومة سيكون من حصة رئيس الجمهورية وهو أمر أقفل النقاش فيه منذ فترة، طرح الرياشي الخيار الثاني، قائلاً: "نريد حقيبة سيادية بدلاً من نيابة رئاسة الحكومة". فردّ عون باختصار مفيد: "راجعوا الرئيس المكلف تأليف الحكومة". وبعد اللقاء إتصل الرياشي بالحريري وأطلعه على حصيلة اللقاء والمعادلة التي تم تبادل الآراء في شأنها.
وكشف الرياشي لـ"المستقبل" أنه اتصل بالرئيس الحريري بعد الاجتماع، و"أبلغته بالموقف الذي سمعتُه من فخامة الرئيس، فلم يمانع إسناد حقيبة سيادية لـ"القوات" في الحكومة المقبلة على أن تكون إما الدفاع أو الخارجية"، وأردف: "بناءً على ذلك أخبرتُ الرئيس الحريري في مقابل عدم الممانعة على منحنا حقيبة سيادية بأنّ حزب "القوات اللبنانية" مستعد للتنازل عن مطلب تولي مقعد نيابة رئاسة مجلس الوزراء رغبةً من الدكتور جعجع في تسهيل مهمة الرئيس المكلف وهذا أقصى ما يمكن لـ"القوات" تقديمه بغية المساهمة في الإسراع بعملية ولادة الحكومة".
واشارت المصادر المتابعة لـ"اللواء" الى ان موضوع توزيع الحقائب هو بيد الرئيس الحريري، وان موضوع الحقيبة السيادية الرابعة وهي الدفاع ليس محسوما بعد، فإذا لم يوافق الحريري وبعض القوى السياسية الاخرى على منح "القوات" حقيبة الدفاع، قد يتم البحث في منحها حقيبة الخارجية اذا وافق "التيار الحر" على الاستغناء عنها، مقابل حصوله هو على الدفاع.
الا ان المصادر المحت ايضا الى احتمال ان ترفض بعض القوى السياسية منح «القوات» حقيبة الخارجية نظرا لحساسيتها ودورها بالنسبة لموضوع "حزب الله" والعقوبات الاميركية والغربية ومن بعض الدول العربية المفروضة عليه، وبناء عليه باتت الكرة في ملعب الحريري الذي يبقى امامه خيار التنازل عن حقيبة الداخلية "للقوات" ويحصل "تيار المستقبل" على الخارجية، او خيار رفض منح "القوات" حقيبة سيادية اذا وجد ان الامر سيكون معقدا وقد يطيح بالتفاهمات القائمة حول توزيع بعض الحقائب..
القوات: لملاقاة الحريري في منتصف الطريق
مصادر "القوات" وضعت عبر "الجمهورية" زيارة جعجع للحريري "في سياق تبادل الافكار وتأكيد دعم الرئيس المكلف، والتشاور في المرحلة الراهنة التي تقتضي عقد اكثر من لقاء". واكدت دعم جعجع لجهود الحريري، وقالت "انّ هذه الجهود ليست مسؤولية الرئيس المكلف منفرداً، بل مسؤولية كل القوى السياسية التي عليها ملاقاته في منتصف الطريق". واعتبرت "انّ من يتحمّل مسؤولية التعطيل ليس الرئيس المكلف الذي يبذل جهداً جباراً وأقصى ما يمكن، لكن هناك قوى سياسية تتمسك بسقفها وترفض التنازل وتدوير الزوايا ما يحول دون الوصول الى اي نتيجة، بل يفترض التوصّل الى مساحات مشتركة، وإنّ "القوات" حريصة على تدوير الزوايا وإظهار كل إيجابية وحريصة أيضاً على التعاون والليونة السياسية، لكن هذا الامر يجب ان يكون متبادلاً بين الجميع".
واوضحت مصادر "القوات" ان زيارة جعجع للحريري "تندرج في اطار التواصل والتشاور"، وكذلك زيارة الرياشي لبعبدا كانت "لوضع رئيس الجمهورية في آخر التطورات والاطلاع منه على آخر الاجواء، فالقطيعة السياسية تؤدي الى تشنّج، وبالنسبة الى جعجع يجب استبعاد التصعيد السياسي في هذه المرحلة لأنّ التصعيد يعرقل مهمة الرئيس المكلف. فالتعقيد لا يحلّ عبر التصعيد، بل عبر التواصل وتبادل الافكار، ما يجعل الاجواء بين القوى السياسية ايجابية بدلاً من ان تكون متشنجة، ولكن للأسف ما زلنا في مكاننا ولا تقدّم على اي مستوى يمكن الحديث عنه".
مصدر قيادي في القوات اللبنانية عبّر في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، عن أسفه لأن "الطرف الآخر يرفض ملاقاة الحريري في منتصف الطريق". وقال إن "من يرفض التحاور ويرفع السقوف، هو من يعرقل الحكومة ويحاول أخذ البلد إلى حكومة أكثرية وحكومة غالب ومغلوب، مقابل سعي وإصرار رئيس الوزراء على تأليف حكومة توازن تحمي البلد". ولفت إلى أن "الأجواء السائدة حالياً لا تبشّر بحكومة قريباً، بل تنذر بسخونة سياسية لا يريدها اللبنانيون".
التيار: العقدة الاكبر درزية
مصادر التيار الوطني الحر أكدت عبر "النهار" ان العقدة القواتية ليست الاكبر، معتبرة ان "العقدة الاكبر هي الدرزية وهي ليست مبررة، لا بل غير مبررة ولا منطقية".
وقالت مصادر "التيار الوطني الحر" لـ"الجمهورية" انّ "التيار" لا يزال ينتظر "المبادرة إلى فكفكة العقد الحكومية"، وهو لا يمانع أن تُعطى "القوات" حقيبة سيادية بينما يبقى مقعد نيابة رئاسة الحكومة من حصة رئيس الجمهورية". وسألت هذه المصادر: "لماذا يُركّز البعض على أنّ العقدة عند "التيار" هي في نيابة رئاسة الحكومة في حين أننا أبدينا عدم ممانعتنا إعطاء "القوات" وزارة سيادية مثلما تطلب أيّاً كانت تلك الحقيبة، وقد تبلّغ الجميع هذا الموقف بمن فيهم الرئيس المكلّف".
وقالت المصادر: "على الرئيس المكلّف أن يكثّف مفاوضاته مع الأفرقاء ويبادر الى ابتداع أفكار بديلة خلّاقة بعدما وصل إلى حائط مسدود، لأنّ البقاء في الدائرة الأولى من المطالب والمراوحة والإنتظار لن تحلّ المشكلة، بل على العكس قد يُسيء إلى العلاقات الثنائية ويؤثر سلباً في المرحلة المقبلة".
وعن العلاقة مع الحزب التقدمي الاشتراكي واوضحت المصادر لـ"النهار" ان "الهجوم الذي يشنه جنبلاط على فريقنا غير مبرر وما ان تهدأ الامور حتى نرى ان التصعيد عاد من جديد من جبهة جنبلاط، عكس الموضوع القواتي الذي نعتبره الاسهل ويلوح بين الهبّة الساخنة احياناً، والباردة احياناً اخرى في موضوع التشكيل، لكننا نعتبر انه يمكن التوافق عليه وترتيبه خصوصاً بعد تأكيد القوات مراراً للرئيس عون استعدادها للتسهيل".
التقدمي": باقون على موقفنا
والى ذلك قالت مصادر الحزب التقدمي الاستراكي لـ"الجمهورية": "لا جديد على مستوى تأليف الحكومة مع استمرار تشبّث بعض القوى السياسية بموقفها الهادف الى ضرب نتائج الانتخابات النيابية والالتفاف عليها من خلال انتزاع حق التمثيل الوزاري الكامل لبعض الاحزاب، وفي طليعتها الحزب التقدمي. وان هذه النظرة الى تأليف الحكومة لم تتغير، واذا استمرت ستبقى الامور في حال من المراوحة التي تؤثر سلباً في البلد ووضعه الداخلي على اكثر من مستوى".
واكدت انّ الحزب التقدمي لا يزال عند موقفه "لأننا نعتبر انّ التراجع عن هذا الموقف سيكون فيه خذلان للمواطنين الذين أعطوا الحزب ثقتهم في صنايق الاقتراع".