ذكر موقع "Responsible Statecraft" الأميركي أن "الرئيس الأميركي
دونالد ترامب بدأ جولته الخليجية هذا الأسبوع من
المملكة العربية السعودية. وخلال إلقائه كلمة في منتدى الاستثمار السعودي في وقت سابق من يوم الثلاثاء، أعلن
ترامب رفع
العقوبات الأميركية عن
سوريا. "بعد مناقشة الوضع في سوريا مع ولي العهد محمد بن سلمان، وكذلك مع الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان، الذي اتصل بي قبل أيام وطلب مني أمرًا مشابهًا جدًا... ساطلب رفع العقوبات عن سوريا لمنحها فرصةً للتقدم"، هذا ما أعلنه ترامب أمام جمهوره الذي استقبله بتصفيق حار. ووصف ترامب العقوبات الأميركية بأنها "وحشية ومُشلّة"، وأضاف أن الوقت قد حان للسوريين "ليُشرقوا" وتمنى للبلد الذي مزقته الحرب "حظًا سعيدًا"."
وبحسب الموقع، "يُعدّ قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، الذي طُبّق في منتصف عام 2020، أشد العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا على الإطلاق، والذي تسبب بخنق الاقتصاد السوري، قبل سقوط بشار
الأسد وبعده. ويُمثّل رفع العقوبات الأميركية تحوّلاً كبيراً في نهج
واشنطن تجاه سوريا بعد أكثر من خمسة أشهر بقليل من حقبة ما بعد الأسد. إضافةً إلى ذلك، التقى ترامب بالرئيس أحمد
الشرع في العاصمة
السعودية، وشكل هذا اللقاء المرة الأولى التي يلتقي فيها رئيسا
الولايات المتحدة وسوريا وجهًا لوجه منذ عام 2000، عندما كان بيل كلينتون وحافظ الأسد في سويسرا لمناقشة جهود التوسط في اتفاق سلام إسرائيلي-سوري".
وتابع الموقع، "قالت كارولين روز، مديرة معهد نيو لاينز، للموقع: "هذا يشير إلى أن ترامب مستعد لكسر السابقة التي وضعتها الولايات المتحدة منذ سقوط النظام والاعتراف بقيادة هيئة تحرير الشام، حيث لم يقتصر الأمر على المشاركة المباشرة فحسب، بل شهد أيضًا تحولًا هائلاً في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا من خلال تخفيف العقوبات". ووفقاً لفرانشيسكو ساليسيو شيافي، المحلل الإيطالي وخبير في شؤون
الشرق الأوسط، إن لقاء الرئيس الأميركي بالشرع، الذي لا يزال مدرجاً على قائمة واشنطن "للإرهابيين العالميين المعينين بشكل خاص"، توضح كيف أن "ترامب منفتح على البراغماتية عندما يكون هناك إجماع إقليمي". وأضاف أن "هذا يعكس تحولاً من العزلة العقائدية إلى المشاركة المعاملاتية، خاصة إذا تم النظر إلى الشرع باعتباره حصناً محتملاً ضد
إيران ووسيلة لتحقيق الاستقرار في سوريا بعد الصراع"."
وأضاف الموقع، "قال شيافي: "في حين أن هذا بعيد كل البعد عن الاعتراف الرسمي، إلا أنني أعتقد أنه يزرع بذور عملية تطبيع تدريجية، تبدأ باتصالات محدودة وربما تؤدي إلى إعادة المشاركة في مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار وأمن الحدود، شريطة أن يتمكن الشرع من إبعاد نفسه بشكل موثوق عن ماضيه المسلح". تُظهر هذه الخطوة من جانب ترامب مدى النفوذ الكبير الذي تتمتع به تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي على الإدارة الأميركية الحالية. وتجدر الإشارة إلى أن
إسرائيل كانت تضغط على إدارة ترامب لتجنب أي خطوات قد تُضفي الشرعية على الحكومة
السورية الجديدة أو تُخفف الضغط الذي تتعرض له حاليًا. وبالتالي، فإن قرار ترامب بتجاهل المصالح
الإسرائيلية في هذه القضية يتماشى مع توجه ناشئ، يتمثل في تهميش الرئيس الأميركي المتزايد لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بهدف مواءمة السياسة الخارجية الأميركية بشكل أوثق مع أنقرة والدوحة والرياض".
وبحسب الموقع، "إن نهج الإدارة في الدبلوماسية مع إيران، والاتفاق مع الحوثيين، وفك الارتباط بين الدعم الأميركي المحتمل لطموحات المملكة العربية السعودية النووية ومعاهدة الدفاع بين واشنطن والرياض والتطبيع
الإسرائيلي، وتأمين إطلاق سراح إيدان ألكسندر من خلال محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وحماس، كل ذلك أكد هذا التحول الشامل بعيدًا عن السياسة الخارجية في الشرق الأوسط التي تركز على إسرائيل. وبعد ستة أشهر تقريبا من
المقاومة الشديدة لتخفيف العقوبات والمشاركة المباشرة من جانب أعضاء
مجلس الوزراء والأصوات في الكونغرس والمستشارين، فإن حقيقة أن هذا التحول في السياسة حدث في أقل من 24 ساعة عندما وصل ترامب إلى الرياض يشير إلى الثقل الكبير الذي يتمتع به ولي العهد محمد بن سلمان على عملية صنع القرار في ترامب في الشرق الأوسط، كما أوضحت روز".
وتابع الموقع، "إن حقيقة أن القوة الدافعة في نهاية المطاف كانت بن سلمان تسلط الضوء على مدى مرونة ترامب في سياسته في الشرق الأوسط. أبدى ترامب رغبته في منح سوريا فرصةً لبدء رحلتها الطويلة نحو إعادة الإعمار والتنمية، الأمر الذي سيتطلب جذب استثمارات أجنبية هائلة، مع ذلك، ونظرًا لاستمرار شكوك العديد من المسؤولين المنتخبين في واشنطن تجاه الحكومة التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام في دمشق، فإن بعض جوانب تخفيف العقوبات التي تتطلب موافقة الكونغرس قد لا تتقدم بالضرورة بالسرعة التي يتمنى ترامب وأصدقاؤه في تركيا والخليج أن تتقدم فيها. وبغض النظر عن كيفية تطبيق تخفيف العقوبات على أرض الواقع، فإن إعلان ترامب الجريء ولقاءه بالشرع في الرياض يمثلان انتصارين كبيرين للقيادة السعودية، التي أثبتت أنها جسر فعال بين سوريا ما بعد الأسد والولايات المتحدة. ومع تولي المملكة العربية السعودية زمام المبادرة داخل دول مجلس التعاون الخليجي عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع الحكومة السورية الجديدة، فقد أثبتت المملكة قدرتها على استخدام نفوذها لتعزيز المصالح المشتركة بين كل دول الخليج العربية وسط فترة من الأزمات الإقليمية وعدم الاستقرار الجيوسياسي المتزايد في كل أنحاء العالم".
وأضاف الموقع، "يُمثل قرار ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا إعادةَ ضبطٍ جريئة. فالحجةُ المؤيدةُ لإبقاءِ عقوباتِ عهدِ الأسد، التي صُمِّمَت في الأصلِ لعزلِ الحكومةِ البعثيةِ السوريةِ والضغطِ عليها، بعدَ تغييرِ النظامِ أواخرَ العامِ الماضي، أصبحتْ غيرَ مُقنعة. والآن، لا يقدم ترامب مساعدات اقتصادية فحسب، بل يقدم أيضا مبادرة سياسية، إذ يعرض على القيادة الإسلامية السُنية في سوريا فرصة للحصول على مزيد من الاعتراف والشرعية في نظر الزعماء ورجال الدولة الغربيين، وهو ما يعكس نهج ترامب المميز في السياسة الخارجية القائمة على المعاملات التجارية. إذا نجح الشرع، خلال الفترة المقبلة، في تحقيق أهدافه المتعلقة بالوصول إلى الموارد، والفرص الاقتصادية، والاستقرار الإقليمي، فقد يجد ترامب في المقاتل السابق قائدًا يُمكنه إبرام العديد من الصفقات معه. ويكتسب هذا العامل أهمية خاصة في سياق الانسحاب الكامل المُحتمل للقوات العسكرية الأميركية من سوريا. ففي هذا السيناريو، سيكون لدى
البيت الأبيض حافز أكبر لتعزيز علاقات إيجابية مع أي حكومة تتولى السلطة في دمشق، نظرًا لغياب أي وجود أميركي على الأرض".
ويحسب الموقع، "في سياق أوسع، ربما لعب تنافس القوى العظمى دورًا مهما في قرار ترامب. فالاستمرار في خنق سوريا بالعقوبات الأميركية لن يؤدي إلا إلى فتح الباب أمام الصين وروسيا لكسب نفوذ أكبر في البلاد، لا سيما في مجالي الدفاع وإعادة الإعمار. في النهاية، ورغم أن بعض الأصوات في الولايات المتحدة ستجد حتمًا أن خطوة ترامب مثيرة للجدل ومتهورة، إلا أن الأخير، ولحسن حظه، اختار أن يكون براغماتيًا قبل كل شيء".