في زمن تتسارع فيه التحولات بشكل يفوق التوقعات، يؤكد خبراء أن هناك مجالين يتقدمان بخطى متسارعة: تغير المناخ والذكاء الاصطناعي. وإذا كان تغير المناخ يمثل التحدي البيئي الأكبر للبشرية، فإن
الذكاء الاصطناعي يبرز كقوة تقنية تتقدم بسرعة نحو ما يُعرف بـ"الذكاء الخارق"، أي مستوى من التطور يفوق القدرات البشرية في عدة مجالات، مع القدرة على اتخاذ قرارات معقدة بشكل مستقل.
ووفق تقرير نشرته "
بلومبرغ" واطّلع عليه موقع "اقتصاد
سكاي نيوز عربية"، فإن الذكاء الاصطناعي أصبح يتسلل إلى كافة تفاصيل الحياة اليومية بطريقة لا يمكن تجاهلها، وبات أكثر من مجرد أداة تقنية، إذ تحوّل إلى قوة عالمية تتطلب تنسيقاً دولياً وإرساء مبادئ أخلاقية مشتركة قبل أن يفلت من السيطرة.
ويحذّر التقرير من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقبلية ستتمتع بقدرة على التصرف باستقلالية، من دون ضمان أن تكون قراراتها في مصلحة الإنسان ورفاهيته. قريباً، قد يجد الذكاء الاصطناعي نفسه أمام خيارات مصيرية: إما خدمة البشرية أو إلحاق الضرر بها. وهنا، يواجه العالم سيناريو أشبه بالكابوس، يمكن تفاديه فقط عبر تعاون استراتيجي بين القوتين الأكبر في هذا المجال:
واشنطن وبكين.
غياب التعاون بين
الولايات المتحدة والصين قد يؤدي إلى نتائج كارثية، حيث قد يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة صراع وانقسام، كما حدث مع تطبيق "تيك توك"، الذي أثار توترات سياسية وأمنية عالمية. ووفق التقرير، قد يجد العالم نفسه أمام واقع منغلق، حيث يمتلك كل فرد نسخته الخاصة من الذكاء الاصطناعي، لكن بثمن باهظ يتمثل في انكماش التجارة العالمية وتراجع جسور الثقة بين الدول.
ويطرح التقرير سؤالاً محورياً: كيف نتجنّب أسوأ السيناريوهات؟ يقترح ما يُسمى بـ"مُحكِّم الثقة"، وهو نظام يُدمج داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي للتأكد من أن قراراتها تحترم القوانين المحلية والأعراف الاجتماعية غير المكتوبة، أي "الدوكسا". وبذلك، يمكن لواشنطن وبكين وضع حاجز وقائي عالمي يضمن أن أي خدمة أو سلعة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لن تُطرح في الأسواق إلا إذا التزمت بمبدأ رفاهية الإنسان.
ويرى الخبراء أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه العالم مع شبكات التواصل الاجتماعي هو تركها تنمو بلا ضوابط، ما أدى إلى تفشي المعلومات المضللة وخطاب الكراهية. ويحذر التقرير من تكرار السيناريو نفسه مع الذكاء الاصطناعي، الذي قد يتخذ قرارات عسكرية أو اقتصادية أو طبية دون تدخل بشري.
ويشير الكاتب ألان
القارح إلى أن الخطر الحقيقي ليس أن يسيطر الذكاء الاصطناعي على البشر، بل أن يستخدمه البشر أنفسهم لتعزيز الانقسامات أو لخوض حروب اقتصادية وعسكرية، تماماً كما حدث مع الطاقة النووية التي جمعت بين الفرص والمخاطر. ويضيف أن الذكاء الاصطناعي ليس أداة محايدة، فهو يتغذى من بيانات تعكس تحيزات البشر وتناقضاتهم.
ويرى المحلل جو زغبي أن الحل لا يكمن فقط في التطوير التقني، بل في تأسيس إطار أخلاقي عالمي ملزم، واقتصاد عادل يمنع احتكار التكنولوجيا بيد حفنة من الشركات العملاقة، إضافة إلى تعزيز التربية والوعي المجتمعي لمحو "الأمية التكنولوجية". ويدعو زغبي إلى تحويل الذكاء الاصطناعي من مصدر للتوتر إلى محرك للتنمية الدولية عبر وضع قواعد مشتركة تضمن الشفافية والعدالة.