تُباع المشاعر في عالم السيارات، وقد أدركت "بي إم دبليو" هذه الحقيقة مبكرًا وتصرفت على هذا الأساس؛ فالدخول إلى سيارة من سياراتها لا يبدو كالدخول إلى آلة، بل إلى هوية وشعور وقصة كاملة. من خلال تصاميمها المميزة وحملاتها التسويقية، أمضت الشركة عقودًا في هندسة الأجواء المحيطة بالعلامة، إلى درجة أنها لم تعد تبيع مركبات بقدر ما تبيع عالمًا عاطفيًا متكاملاً، حيث لا يكون التركيز على قوة المحرك فقط، بل على الطموح والانتماء وما تصفه ببساطة بـ"الفرح".
في موسم الأعياد الحالي، عززت "بي إم دبليو" هذا النهج أكثر من أي وقت مضى من خلال حملة لسيارتها الكهربائية "BMW iX3" تحت شعار يقول: "لم نخترع السيارة... بل خلقنا شعورًا". تأتي هذه الرسالة في عالم تُعرّفه بشكل متزايد المحركات الصامتة والشاشات البرمجية، حيث تحاول الشركة إضفاء طابع إنساني على مستقبل قيادة خوارزمي، في وقت يتهدد فيه شعار "آلة القيادة المثالية" بخطر أن تُختزل السيارة إلى مجرد أداة متحركة.
سرد القصص العاطفية ليس جديدًا على "بي إم دبليو". قبل زمن طويل من سباق التكنولوجيا الفاخرة، كانت العلامة تروّج لمتعة القيادة. حتى شعار عام 1974 "آلة القيادة المثالية"، الذي قد يبدو للوهلة الأولى تمجيدًا للأداء، كان في الحقيقة إشارة إلى الهوية: شراء سيارة من "بي إم دبليو" يعني الانتماء إلى فئة من الأشخاص الذين يقدّرون الإتقان والثقة والشعور بالطريق. ومع الوقت، اضطر هذا السرد إلى التطور، ليتحول من صورة "السائق البطل" إلى مقاربة أكثر هدوءًا تُبرز أسلوب الحياة باعتباره شعورًا.
لم تعد الشركة تكتفي ببيع منحنيات عزم الدوران، بل تبيع إحساسًا بالحرية والتمكين والنجاح. من الأفلام القصيرة ذات الطابع السينمائي على شبكات التواصل إلى صالات
العرض الغامرة متعددة الحواس، تُصمم "بي إم دبليو" كل نقطة تواصل لتعزيز فكرة أن امتلاك سياراتها تجربة إنسانية، وليست مجرد صفقة تجارية. فهذا هو جوهر العلامات التجارية العاطفية: التفاعل مع رغبات الناس ومخاوفهم وصورتهم الذاتية، وبيع الشعور الذي يأملون أن يطلقه المنتج في حياتهم.
ينعكس هذا المنطق أيضًا في لغة التصميم. فكل طراز جديد من "بي إم دبليو" يُصمم ليستثير رد فعل واضحًا، أحيانًا يثير الإعجاب وأحيانًا الجدل. من الخطوط المنحوتة إلى قمرة القيادة المُحيطة، تتعامل الشركة مع التصميم كمحفّز عاطفي لا كزينة خارجية. وحتى القرارات المثيرة للانقسام في السنوات الأخيرة، مثل الشبك الأمامي العملاق، تعكس نية واضحة: التأثير العاطفي أهم من القبول البارد؛ أن تُشعِر السيارة السائق بشيء ما أفضل من ألّا تُثير شيئًا على الإطلاق.
وحين لا تكفي المعدات وحدها، تلجأ "بي إم دبليو" إلى السرد القصصي المباشر. في حملة "BMW i4" لعام 2023 بعنوان "الأب والابن. متعة أبدية"، يظهر أب ينقل متعة القيادة إلى ابنه، فتتحول القيادة إلى رمز للعائلة والحرية والإرث. وفي فيلم الأعياد لهذا العام، تُستخدم قصة طفل وجدّة يتواصلان عبر سيارة من سيارات الشركة للتأكيد على أن متعة القيادة يمكن أن تربط الأجيال، حتى في عصر تسيطر فيه مخاوف مدى البطارية وإرهاق الشاشات اللمسية.
مع ذلك، يحمل هذا التوجه مخاطرة واضحة؛ إذ تروّج "بي إم دبليو" لمتعة القيادة في زمن باتت فيه القيادة، خاصة داخل المدن، أقل متعة من أي وقت مضى، مع الازدحام المروري والكاميرات والأتمتة وارتفاع تكاليف التأمين. في مثل هذا الواقع، تعد العلامة بشعور يزداد العالم الواقعي صعوبة في توفيره. وفي سوق تتقارب فيها السيارات الكهربائية في هدوئها وطابعها الرقمي، يصبح السؤال مطروحًا بشأن ما إذا كانت العاطفة لا تزال قادرة على أن تكون عامل تمييز حقيقي حين يتحول هدير المحرك إلى صوت مُصمَّم برمجيًا.
تقدّم تجربة "بي إم دبليو" نموذجًا لعلامة تجارية تبني منتجات تكسب ثقة العملاء على المستوى العملي، ثم تبني فوقها قصصًا تعزّز قيمتها العاطفية، لكنها تظل مرتبطة بحدود واضحة؛ فالعاطفة لا تنجح إلا عندما تدعم تجربة المنتج ادعاءاتها. وفي عصر السيارات الكهربائية الذي يخفف الفروق في الأداء ويمحو الكثير من الطابع الميكانيكي، يتعاظم خطر أن تتحول العاطفة إلى غطاء لمنتج لا يرقى إلى الوعد. ضمن هذا السياق، لا تبدو استراتيجية "بي إم دبليو" خروجًا كاملاً عن مسارها القديم بقدر ما هي إعادة تقييم له: الآلات تتغير، لكن الوعد لا يتغير؛
المستقبل قد يكون أكثر هدوءًا ورقمية، لكن شعور القيادة ليس بالضرورة كذلك، ويبقى ما إذا كان المستهلكون سيقبلون بهذه الرواية هو ما سيحدد شكل الفصل المقبل. (creative bloq)