أظهرت دراسات عديدة أنّ قلّة النوم قد ترفع خطر أمراض القلب والأوعية الدموية والبدانة والسرطان. غير أنّ بحثين أخيرين نُشرا في مجلّتي "Annals of Behavioral Medicine" و"Scientific Reports" كشفا النقاب عن قطعتين إضافيتين من هذا اللغز. فما هما؟ كشف البحث الأول أنّ قلّة النوم قد تزيد احتمال الإنخراط في سلوكيات تُعرّض الإنسان لأمراض مزمنة. في حين توصّل الثاني إلى أنّ نقص النوم يغيّر طريقة تخلّص الجسم من الكولسترول، ومن المحتمل أن يؤدي دوراً في تعزيز خطر الإصابة بأمراض القلب.
عدم التمسّك بعادات صحّية
حلّل باحثون من "University of Delaware"، و"University of Pennsylvania"، و"Drexel University"، و"University of Arizona College of Medicine" بيانات 439,933 بالغاً في المملكة المتحدة، ووجدوا أنّ الأشخاص الذين ناموا 6 ساعات أو أقلّ في الليلة كانوا أكثر عرضة لتدخين السجائر بنسبة 45 في المئة مقارنةً بنظرائهم الذين ناموا 7 ساعات إلى 8 يومياً.
كما وجدوا أنّ الأشخاص الذين صنّفوا أنفسهم بأنهم يشعرون بالنشاط ليلاً وبالتالي يعجزون عن النوم كانوا أكثر عرضة للتدخين بنسبة 60 في المئة مقارنةً بنظرائهم الذين يحصلون على ساعات كافية من الراحة. ناهيك عن أنهم كانوا أكثر ميلاً لكثرة الجلوس ويستهلكون حصصاً أقلّ من الخضار والفاكهة.
في حين أنّ العديد من الأشخاص قد يفكّرون في سرطان الرئة ومشكلات الجهاز التنفسي عندما يتعلّق الأمر بالمخاطر الصحّية المرتبطة بالتدخين، إلّا أنّ الكمياويات الموجودة في دخان السجائر تُلحق أيضاً الدمار في خلايا الدم، ما قد يسبب الأذى للقلب والأوعية الدموية. مع الوقت، يرفع هذا الأمر خطر أوجاع الصدر، والنوبة القلبية، وقصور القلب، والوفاة.
وقالت الباحثة المشاركة في الدراسة والأستاذ المساعد في "University of Delaware’s Department of Behavioral Health and Nutrition"، فريدا باترسون، إنّ "الأشخاص الذين لم يحصلوا على نوم كاف، أي ما بين 7 ساعات إلى 8، لم يميلوا إلى الإنخراط في سلوكيات صحّية للقلب. والجديد في هذه النتائج أنّ الذين لا يحبون النوم ليلاً ويكونون نشيطين لا يتبعون عادة مفيدة لقلوبهم".
وكان المشاركون في دراسة باترسون قد أجابوا عن مجموعة أسئلة متعلّقة بمدّة نومهم، والوقت الذي يخلدون فيه إلى الفراش، ومعدل نشاطهم اليومي، وعوامل أخرى متعلّقة بنمط الحياة.
المشاركون الذين ينامون جيداً أفادوا أنهم يشاهدون ما يزيد قليلاً عن 8 دقائق أكثر من التلفزيون، ويمضون نحو 18 دقيقة أقلّ على الكمبيوتر، ويستهلكون نحو 1/6 حصّة إضافية من الفاكهة، ونحو 1/10 حصّة إضافية من الخضار يومياً في المتوسط مقارنةً بنظرائهم الذين يشعرون بالنشاط ليلاً.
وأشارت باترسون إلى أنّ "الرابط بين النوم غير الكافي والبدانة تمّ توثيقه جيداً في مجال البحث العلمي. لم نكن على علم بالأبحاث الأخرى التي أظهرت علاقة بين التدخين وقلّة النوم، أو بين كثرة الجلوس ونقص النوم. إلّا أنّ هذه النتائج الجديدة توصّلت إلى رابط أقوى بين النوم وكثرة الجلوس مقارنةً بين النوم والنشاط البدني".
وتابعت حديثها: "يعتقد الناس أنّ الشخص الذي يمارس أيّ نشاط بَدني لا يجلس كثيراً. لكننا بدأنا نتعلّم أنّ حتى من يقوم بأي نشاط يستهويه ويتقيّد بالتوصيات البدنية، إذا كان كثير الجلوس يعني إذاً أنّ صحّته معرّضة بدورها للسوء".
وأكّدت أنّ "هذه النتائج الجديدة تملك إنعكاسات هامّة على الصحّة العامّة، بحيث يزداد خطر المشكلات المزمنة كأمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، والسكري بسبب 3 عوامل رئيسة هي قلّة الحركة، والتدخين، وسوء التغذية. ومن المعلوم أنّه يصعب غالباً تغيير هذه العادات".
الخطوة الثانية التي يبحث فريق باترسون عن تحقيقها هي معرفة ما إذا كان تصحيح النوم قد يساعد على تحسين السلوكيات الخطرة. على سبيل المثال، هل يساعد النوم الصحيح المدخّنين على الإقلاع عن عادتهم؟ أو تحسين غذاء الأشخاص؟ أو دفعهم إلى التمسّك بالحركة؟".
التأثير في الكولسترول
أمّا البحث الآخر الذي أُجري في فنلندا فقد وجد أنّه حتى إذا كان الشخص يستطيع اتخاذ خيارات صحّية، كالأكل الصحيح، والنشاط البدني، وعدم التدخين، فإنّ قلّة النوم قد تستمرّ في إلحاق الضرر بصحّته عن طريق رفع مستويات الكولسترول.
وقالت الباحثة المشاركة في الدراسة من "University of Helsinki"، فيلما آهو، إنهّ "على رغم أنّ دراسات سابقة قد ربطت بين قلّة النوم وارتفاع مستويات أمراض القلب والأوعية الدموية وزيادة معدلات الوفاة، إلّا أنّ هذه النتائج الجديدة تُعتبر من البيانات الأولى التي تحدّد كيف يؤثّر النوم في الكولسترول الذي يشكّل عاملاً رئيساً لخطر أمراض القلب والأوعية الدموية".
وأضافت: "توصّلت الدراسة إلى أنّ الجينات التي تشارك في تنظيم نقل الكولسترول تكون أقلّ نشاطاً لدى الأشخاص الذين يعانون قلّة النوم مقارنةً بالذين يحصلون على نوم كاف".
حلّل الباحثون بيانات 2,739 بالغاً أجابوا عن أسئلة متعلّقة بما إذا كانوا يحصلون على نوم كاف بانتظام. كذلك قدّم كلّ مشارك عيّنة من دمه كي يتمكّن الباحثون من معرفة مستويات الكولسترول وغيرها من المؤشرات الحيوية، بما فيها نشاط الجينات التي تساعد على تنظيم الكولسترول.
بالنسبة إلى المجموعة التي لم تحصل على نوم كاف، إنّ مستويات الكولسترول الجيّد "HDL" كانت في المتوسط 10 في المئة أقلّ مقارنةً بنظيرتها التي حصلت على ساعات جيّدة من النوم. ناهيك عن أنّ الجينات التي تساعد على تنظيم الكولسترول كانت أقلّ نشاطاً مقارنةً بالأجسام التي حصلت على نوم جيّد.
كذلك أجرى الباحثون إختباراً حيث طُلب من 14 بالغاً يتمتعون بصحّة جيّدة بتقييد وقت نومهم إلى 4 ساعات في الليلة لمدّة 5 أيام، في حين أمضى 6 أشخاص 8 ساعات في فراشهم لمدّة 5 أيام. في الواقع تبيّن أنّ مستويات الكولسترول السيّئ "LDL" إنخفضت بنسبة 10 في المئة لدى المجموعة التي قيّدت نومها.
وعلّقت آهو أنّ "هذه النتيجة لا تعني بالضرورة أنّ تقييد النوم يحسّن الكولسترول. في الواقع قد يكون هذا الإنخفاض ناجماً عن الالتهاب لدى هؤلاء الأشخاص الذين لا يحصلون على ساعات كافية من النوم. والأمر الأكثر أهمّية هو أنّ الكولسترول يتأثّر في النوم المقيّد بالدرجة الأولى. كذلك أظهرت البيانات مرّة أخرى أنّ الجينات المعنيّة بتنظيم الكولسترول كانت أقلّ نشاطاً لدى الفئة التي قيّدت نومها مقارنةً بتلك التي نامت لوقت أطول".
معطيات المجموعة التجريبية المؤلّفة من 14 شخصاً أظهرت أنّ أسبوعاً واحداً من قلّة النوم يغيّر استجابة الجسم المناعية وعمليّة الأيض، وأنّ الجينات المعنيّة بقدرة الجسم على التخلّص طبيعياً من الكولسترول السيّئ كانت أقلّ نشاطاً لدى من حصلوا على نوم أقلّ.
إذاً، قلّة النوم تؤثّر في الكولسترول، ومع الوقت فإنها تنعكس على أيض الكولسترول بطريقة سلبية.
ولفتت آهو أخيراً إلى أنه "على المدى الطويل، إذا أصبحت قلّة النوم مُزمنة، فإنّ أيض الكولسترول يميل إلى التحوّل باتجاه غير مؤات، ما قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية".
(سينتيا عوّاد - الجمهورية)