لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي، أمراً ثانوياً بالنسبة للمراهقين، بل أصبحت تعكس هويتهم، وتطلعاتهم، فيعبّرون عبر صفحات هذه مواقع، عن ذاتهم، وأفكارهم بحرية مطلقة، لا تقيدها لا قوانين، ولا يحدّ منها "الممنوع".
إلا أنّ هذا الانغماس في هذا الفضاء الواسع، من قبل المراهقين، وارتباطهم الدائم بشاشة الهاتف الذكي أو الحاسوب، ليحدثوا حالتهم أو صورتهم، أو ليكتبوا تدوينة ما أو تعليقاً ما، شكّل حاجزاً بينهم وبين الواقع وقلّل من تواصلهم الاجتماعي لجهة تواصلهم الالكتروني، ما يطرح سؤالاً حول نوعية هذا التعلق بالعالم الافتراضي، وإن كان من الممكن اعتباره نوعاً من الإدمان؟!
للإجابة، عن هذا السؤال، لا بد من الإطلاع على الدراسة التي أعدها مركز تخطيط الدماغ في جامعة UCLA، والتي توقفت عند تأثير مواقع التواصل على الدماغ. وتقول الدراسة، أنّ منطقة مراكز "المكافآت" في الدماغ، والمعروفة باسم "nucleus accumbens"، تنشط بالطاقة، عندما يحصل المراهقون على إعجاب على صورهم المنشورة على مواقع التواصل.
وبحسب الباحثين فإنّ نشاط هذه المنطقة لدى المراهقين، يرتبط عادة بالمتعة وتقدير الذات.
يرى الباحثون كذلك، أنّ نيل الإعجاب يدفع المراهق لنشر المزيد من الصور، بغية تعزيز القبول الأنا، والحصول على المزيد من القبول الاجتماعي، كما قد يدفع هذا الإعجاب العلني المراهق لإجراء مقارنة مؤذية بينه وبين آخرين.
من جهة ثانية، تقول منظمة "child Mind Institute"، التي تعنى بالأطفال وصحتهم العقلية، أنّ للتواصل الافتراضي انعكاسات سلبية على الطفل، إذ تؤدي إلى خسارة الطفل للمهارات الاجتماعية، ووضعه في قالب معطل تغيب فيه لغة الجسد.
وترتبط الأثار السلبية لهذه المواقع أيضاً، باستعمال الهواتف لساعات طويلة، إضافة للشعور بالاكتئاب والقلق لدى المراهقين نتيجة الضغط الناتج عنها، إذ أشارت إحدى الدراسات التي أجريت في هذا المجال، أنّ الهواتف الذكية تؤدي إلى تغير في بعض الدوائر العصبية، خاصة عند الأطفال.
وأوضحت الدراسة، أنّ الطفل يصبح معرضاً لتغييرات في الجزء الدماغي المتعلق بأمكنة الذاكرة القصيرة الأمد، على حساب تقلص النشاط في الأمكنة المتعلقة بالذاكرة الطويلة الأمد.
من هنا، يرى الباحثون، أنّ هناك ما يعرف بالإدمان على الهواتف الذكية، وأنّ الأطفال معرضون للإصابة بهذا النوع من الإدمان، من خلال الشعور الدائم بالحاجة لتصفح الهاتف الذكي.
ويأتي هذا الاستنتاج، متزامناً، وتقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، وجاء فيه، أنّ الأشخاص الذين يهدون أطفالهم هاتفاً ذكياً، أو لوحة ذكية، هم كأنّهم في الحقيقة يقدمون لهم، قنينة نبيذ أو غرام من الكوكايين.
وكانت دراسة طبية في جامعة "سول" في كوريا الشمالية، قد حذرت من تشبث الأطفال ةالمراهقين بالهواتف الذكية لساعات طويلة لدورها في إحداث تغييرات في كيمياء المخ التي تعكس أعراضا يشبه تأثيرها تأثير الإدمان.
هذا الواقع، الذي بات لا مفرّ منه، بسبب ثورة الأجهزة الذكية، وقوّة الحضور لمواقع التواصل، دفعت بعض الدول، كالولايات المتحدة الأميركية إلى استحداث مراكز لمعالجة الإدمان على التكنولوجيا الرقمية، إذ بات من الطبيعي، في أميركا/ زيارة الأطفال لهذه المراكز لإعادة تأهيلهم.