يترقب
لبنان موقفا
سوريا رسميا من "الورقة الأميركية"لتثبيت وقف النار وحصر السلاح بيد الدولة وترسيم الحدود، والتي أقرت أهدافها الحكومة في السابع من آب الحالي لكون الورقة لحظت فصلين من أصل ثلاثة مرتبطين ببيروت ودمشق: الأول تضمن مبادرة لترسيم وتحديد الحدود البرية والبحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة للدولتين، بعد تشكيل لجنة ثلاثية تضم ممثلين عن لبنان وسوريا وخبراء خرائط من
الأمم المتحدة، بمساعدة
الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، والأمم المتحدة. والثاني لحظ تحركاً مشتركاً لمكافحة الاتجار بالمخدرات من خلال إطلاق آلية لبنانية - سورية مشتركة تُشرف على العمليات الهادفة إلى تفكيك ممرات التهريب.
وقال مصدر حكومي لـ«الشرق الأوسط» إن «لبنان الرسمي لم يتبلغ حتى الساعة بأي موقف سوري رسمي بخصوص الورقة الأميركية»، لافتاً إلى أن رئيس الجمهورية جوزيف عون أبلغ المبعوث الأميركي توم برّاك خلال لقائهما الأخير بوجوب الحصول على أجوبة من دمشق تماماً كما من إسرائيل، وقد «أخذ برّاك الموضوع على عاتقه».
وينحصر راهناً التواصل اللبناني - السوري على القنوات الأمنية والعسكرية. ومن المرتقب، بحسب المصدر، أن يزور وفد رسمي سوري لبنان الأسبوع المقبل للبت بالملفات العالقة بين البلدين، وأبرزها إلى جانب ما لحظته الورقة بموضوع الترسيم ومكافحة تهريب المخدرات، ملفا النازحين والموقوفين السوريين، علماً أن دمشق لم تعين حتى الساعة سفيراً جديداً لها لدى لبنان.
وكان رئيس الحكومة نواف سلام رأس نن اجتماعًا تنسيقيًا في السراي، في حضور نائب رئيس
مجلس الوزراء طارق متري، وزير الدفاع ميشال منسى، وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد، وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، ووزير العدل عادل نصار، المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، ومدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي، للتداول في العلاقات
اللبنانية -
السورية من وجوهها كافة وسبل تعزيزها.
وأصدر سوريون معتقلون في سجن رومية بلبنان أمس بياناً ناشدوا فيه الرئاسة السورية للإسراع في حلّ ملف المعتقلين في لبنان على خلفية انضمامهم للثورة السورية. أضافوا: يأتي ذلك بعد تداول أنباء عن اتفاق قريب بين سوريا ولبنان يسمح بنقل المعتقلين السوريين في لبنان على خلفية مناصرتهم للثورة السورية، تمهيداً لإطلاق سراحهم واستعادة حياتهم الطبيعية».
وكتب ميشال نصر في" الديار":في لحظة إقليمية متشابكة، تتقاطع فيها الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية على امتداد المنطقة، برزت الوساطة الأميركية الجديدة التي يقودها المبعوث الخاص توم براك بين لبنان وسوريا كجزء من محاولة أميركية مدروسة لإعادة ضبط العلاقات الثنائية بين بلدين تجمعهما الجغرافيا وتفرّقهما السياسة، وتاريخ طويل من التداخل والاشتباك.
ان اهمية ما يجري، تاتي من ربطه بورقة الشروط الاميركية المفروضة على
بيروت، وتحت أنظار دولية تراقب بحذر أي تقارب لبناني – سوري، وتربطه بمصير خطط "حصر السلاح"، وبموقع لبنان في خارطة النفوذ الإيراني، في مقابل سعي "سوريا أحمد الشرع" إلى استثمار الوساطة لإعادة تأهيل دورها الإقليمي، والظهور كشريك في استقرار المنطقة لا كعنصر تفجير، وتحسين موقعها ضمن استراتيجية واشنطن الإقليمية.. على الاقل هذا ما خرج به الوفد
الاميركي من انطباعات، بعيد الاجتماع الذي ضم كل من توم براك ووزير الخارجية السوري اسعد الشيباني، مطلع الاسبوع، في العاصمة الفرنسية.. وفي هذا الاطار وصفت مصادر دبلوماسية ان اللقاء الاميركي – السوري بالايجابي، تحديدا في الملف اللبناني، حيث نجح براك في احداث خرق نوعي في الموقف السوري "غير المتحمس حاليا لتوسيع دائرة التشاور والتعاون مع لبنان لما هو ابعد من التنسيق العسكري والامني"، لتلافي أي خلافات حدودية، حيث نجحت الآلية التي وضعت في هذا الخصوص، في ضمان الهدوء على طول الحدود. فوفقا للمصادر لا تهدف الوساطة التي يقودها براك فقط إلى حل الخلافات الحدودية أو تسهيل ملف النازحين السوريين، بل تتجاوز ذلك إلى مقاربة أوسع تشمل: ضبط المعابر غير الشرعية، الحد من نفوذ "الجماعات المسلحة" عبر الحدود، تنظيم عودة التنسيق الأمني المشروط، من ضمن الجزء الوارد تفصيلا في ورقة براك.وتتابع المصادر بان براك عرض على الجانب السوري تصورا، يقضي بزيارة وفد سوري رفيع الى بيروت يضم وزيري الداخلية والعدل، لبحث ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، والذي يعتبر من النقاط الاساسية العالقة بين الطرفين، مبديا استعداد واشنطن للعب وساطة في هذا الخصوص، وايجاد الحلول اللازمة لفكفكة عقده.كما اثنى الموفد الاميركي على التعاون بين الاجهزة الامنية في البلدين، والذي ادى الى تفكيك الجيش اللبناني لاحد اكبر مصانع الكبتاغون في العالم، في منطقة الكنيسة.. ورات المصادر، ان كل الكلام الذي يجري الحديث عنه فيما خص الحدود الشرقية، غير دقيق وغير صحيح، اذ اكد الشيباني خلال لقائه وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلية رون ديرمر، بحضور براك، ان دمشق ليست في وارد فتح أي معركة مع لبنان حاليا، الا انها ملتزمة بضبط عمليات تهريب السلاح عبر الحدود، والاقتصاد غير النظامي، مشيرة الى ان العمل جار حاليا على تحضير جدول اعمال زيارة
وزير الخارجية اسعد الشيباني الى بيروت، في وقت قريب. وختمت المصادر بانه في حال توفرت الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية، يمكن أن تمهّد هذه الوساطة إلى تحول حقيقي في العلاقات اللبنانية–السورية، يُنهي سنوات من التوتر والتوظيف المتبادل، ويفتح الباب أمام علاقة أكثر توازنًا واستقرارًا. أما إذا غلبت الحسابات الآنية والانقسامات الداخلية، فستبقى الوساطة مجرد جولة جديدة في سجل طويل من الفرص الضائعة بين بلدين لا مفرّ لهما من التعامل مع بعضهما، مهما طال زمن القطيعة أو التصعيد.
عليه تمثل الوساطة الأميركية محاولة سياسية وأمنية دقيقة لإعادة تشكيل العلاقة بين البلدين ضمن توازنات إقليمية متغيرة ومصالح دولية متقاطعة، كجزء من استراتيجية أوسع تتبعها واشنطن في
الشرق الأوسط، هدفها إدارة الأزمات لا بالضرورة حلّها، وتثبيت نقاط التهدئة على خطوط التماس الأكثر هشاشة، وفي مقدمتها الجبهة اللبنانية – السورية، حيث يتحرك براك ضمن هامش دقيق، بين ضرورة منع انفجار أمني محتمل مع وفي لبنان، والحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة مع نظام سوري لم يُعاد تأهيله دوليًا بعد، لكنه بات واقعًا سياسيًا يصعب تجاهله، وسط إدراكه أن استقرار لبنان لا يمكن فصله عن موقع سوريا الجغرافي والسياسي، خاصة في ظل الملفات المتشابكة العالقة.