Advertisement

لبنان

موضة تكثيف النشاطات... هل يعيش أطفالنا طفولتهم فعلاً؟

زينة كرم - Zeina Karam

|
Lebanon 24
02-10-2025 | 08:00
A-
A+
Doc-P-1424384-638950117818453548.jpg
Doc-P-1424384-638950117818453548.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
أصبحت ظاهرة تكثيف النشاطات للأولاد في السنوات الأخيرة، من أكثر المواضيع حضوراً في حياة العائلات، خصوصاً في فترة الصيف وخلال العام الدراسي. فبين المخيمات الصيفية، والدورات الرياضية، والفنون، ودروس الموسيقى، وصولاً إلى الأنشطة التعليمية الإضافية مثل اللغات والبرمجة، يجد الأطفال أنفسهم أمام جدول مزدحم يكاد يوازي جدول الكبار. هذه الموضة، التي يبررها الأهل بالرغبة في تطوير مهارات أولادهم واستثمار وقتهم، تثير نقاشاً واسعاً حول فوائدها ومساوئها على الصعيدين النفسي والاجتماعي.
Advertisement

لا شكّ أن تكثيف النشاطات يوفّر بيئة غنية بالتجارب والتعلّم، ما يساعد الأطفال على اكتشاف مواهبهم مبكراً، وتنمية مهارات متنوعة. فالمشاركة في الرياضة تعزز الانضباط والعمل الجماعي، فيما تساهم الفنون والموسيقى في تنمية الإبداع والحس الجمالي. أما الدروس الإضافية، فتمنح الطفل فرصة لتوسيع معارفه وتعزيز ثقته بنفسه. من هنا، يرى كثير من الأهالي أن هذه الأنشطة تحمي أبناءهم من الفراغ والملل، خصوصاً في الصيف حيث يمضي البعض ساعات طويلة أمام الشاشات. ومن جانب آخر، تساهم هذه البرامج في بناء شخصيات أكثر استقلالية وانفتاحاً على العالم.

لكن الوجه الآخر لهذه الظاهرة يكشف عن مساوئ لا يستهان بها. فالإفراط في إدخال الطفل في أنشطة متعددة قد يتحول إلى ضغط نفسي يفوق طاقته، ويجعله يعيش حالة من الإرهاق المزمن. وفي هذا الإطار، يشير بعض الخبراء إلى أن الجدول المزدحم يحرم الأولاد من أبسط حقوقهم: اللعب الحر، والوقت غير المنظم الذي يتيح لهم الابتكار بطريقتهم الخاصة. هذا الضغط قد يؤدي أيضاً إلى نتائج عكسية، كفقدان الحافز أو الملل من النشاطات المفروضة عليهم.

بالنسبة للأهل، يحمل تكثيف النشاطات وجهين أيضاً. فمن جهة، يشعرون بالاطمئنان لأنهم "يستثمرون" وقت أولادهم بشكل مفيد ويهيئونهم لمستقبل أفضل. كما يخفف الأمر من القلق المرتبط بترك الأطفال دون إشراف لساعات طويلة. إلا أن الكلفة المادية لهذه البرامج قد تشكّل عبئاً ثقيلاً على كثير من العائلات، إذ تتطلب معظم الدورات والمخيمات رسوماً مرتفعة. كذلك، يواجه الأهل تحدياً في الموازنة بين العمل والالتزام بمرافقة أولادهم إلى النشاطات المختلفة، ما يضاعف أحياناً من ضغطهم اليومي.

أما من الناحية العلمية والمهنية، فيدعو خبراء التربية إلى اعتماد التوازن بدلاً من المبالغة. المطلوب أن تكون الأنشطة جزءاً من حياة الطفل ليس كلها، وأن تُختار بما يتناسب مع اهتماماته وطاقته. كما يشددون على أهمية تخصيص وقت للراحة واللعب العفوي، باعتبارهما جزءاً أساسياً من النمو النفسي والاجتماعي السليم. بعض الدراسات الحديثة أظهرت أن الأطفال الذين يحصلون على وقت فراغ كافٍ يطورون مهارات حل المشكلات والإبداع بشكل أفضل من أولئك المنغمسين دائماً في برامج منظمة.

في المحصلة، تبقى موضة تكثيف النشاطات سيفاً ذا حدين. فهي قادرة على صقل شخصية الطفل وتوسيع مداركه إذا ما أُديرت بحكمة وتوازن، لكنها قد تتحول إلى عبء يسرق من طفولته بساطتها وعفويتها إذا تحولت إلى سباق محموم لإنجازات لا تنتهي. وبين طموح الأهل واحتياجات الأولاد، يبقى الحل في الاعتدال: نشاطات مفيدة وممتعة، لكن بجرعات لا تحرم الطفل من حقه في الراحة واللعب وفق إرادته.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

زينة كرم - Zeina Karam