بعد الخرق الأخير لوقف إطلاق النار في غزة، يمكن القول إنّ المشهد بات أوضح من أي وقت مضى. فبالرغم من العنف المفرط الذي استخدمته
إسرائيل خلال الساعات الماضية، إلا أنّها بدت وكأنها تسابق الوقت للعودة إلى التهدئة، وكأنّ القرار الكبير قد اتُّخذ: لا عودة إلى الحرب. هذا السلوك لم يكن وليد لحظة داخلية أو حسابات ميدانية، بل يعكس قرارًا خارجيًا صارمًا، مصدره
واشنطن، التي وضعت حدًا لأي تصعيد جديد في غزة، أقله بالشكل الذي عرفناه طوال الأشهر الماضية.
فالتجمّد السريع في الميدان، وفتح المعابر، والسماح بعودة المساعدات، كلّها مؤشرات إلى أن الملف الغزّي أُقفل، وربما إلى غير رجعة في المدى المنظور. لكن ما إن يُقال ذلك، حتى يبرز سؤال أكبر: ماذا عن
الجبهة اللبنانية؟ هل يُمكن أن تُبقي إسـرائيل الحرب هناك "معلّقة" إلى أجل غير مسمّى، أم أن التصعيد سيبقى خيارًا قائمًا على الطاولة؟
بحسب مصادر متابعة، فان مَنْ يوقف حرب غزة لن يفتح حرب
لبنان. المنطق بسيط: أي مواجهة واسعة في الجنوب اللبناني ستقود إلى انفجار إقليمي لا يمكن ضبطه، لا سياسيًا ولا ميدانيًا. فلبنان ليس ساحة معزولة، وأي تصعيد فيه يعني دخول أطراف إقليمية على الخط، وتحديدًا
إيران، التي ستتعامل مع أي ضربة في لبنان على أنها موجهة لها مباشرة.
كلفة الحرب في لبنان لا تُقارن بغزة. فهنا شبكة مصالح أكبر، وتوازنات أكثر تعقيدًا، ونزاعات متشابكة بين الداخل والخارج. لذلك، يبدو أن
القرار الدولي ـ الأميركي تحديدًا ـ هو منع تمدد النار إلى
الشمال، ولو اقتضى الأمر الضغط على إسرائيل نفسها.
لكنّ هذه المعادلة تبقى مؤقتة، تسري فقط إلى حين الوصول إلى إيران. فطالما لم تُحسم المواجهة الكبرى هناك، سيبقى
الشرق الأوسط في حالة تعليق بين الحرب والسلام. اللحظة التي تشعر فيها إســرائيل أن في إمكانها توجيه ضربة جديدة قاضية لإيران، ستفعل ذلك من دون أي تردّد، ومن دون الاكتراث لأي جبهة أخرى أو لأي تفاهم سابق.
حتى ذلك الحين، تبقى الجبهات الأخرى مضبوطة على إيقاع السياسة الأميركية، التي تحاول تأجيل الانفجار لا أكثر. أما في العمق، فالحرب لم تنتهِ فعليًا، بل جُمّدت بانتظار التوقيت الأنسب، أو الهدف الأهم. وفي هذه المنطقة، التوقيت لا يُقاس بالساعات أو الأيام، بل بالمصالح، والضربات، والقرارات التي تُتخذ خلف الأبواب المغلقة.