Advertisement

لبنان

لبنان طريق السلام.. البابا لاوون الرابع عشر يزرع رجاء الوحدة من عنايا إلى بيروت

جاد حكيم - Jad Hakim

|
Lebanon 24
01-12-2025 | 14:00
A-
A+

Doc-P-1449609-639002200360821838.jpeg
Doc-P-1449609-639002200360821838.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
في اليوم الثاني من زيارته إلى لبنان، تنقّل قداسة البابا لاوون الرابع عشر بين محطات روحية ورمزية لافتة، من ضريح القديس شربل في عنايا إلى مزار سيدة لبنان في حريصا، فساحة الشهداء في بيروت، وصولاً إلى الصرح البطريركي في بكركي حيث اختُتم النهار بلقاء مع شبيبة لبنان.
Advertisement

في دير مار مارون – عنايا، وصل البابا تحت المطر على وقع قرع الأجراس وتناثر الورد والأرز بين أيدي المؤمنين الذين احتشدوا على الطرقات منذ الصباح غير آبهين بالبرد والأمطار، فيما رافقت حمامة بيضاء موكبه في مشهد فسّره المنتظرون على الطريق بأنه علامة سلام. وفور وصوله، جثا البابا على ركبتيه أمام ضريح القديس شربل ورفع صلاة طلب فيها أن يساعد قديس الصمت المؤمنين على "خوض جهاد الإيمان الحسن" في "برّية هذا العالم"، وأن يعلّمهم "صمت الكلمات وقوة الأفعال" ويدلّهم على "عظمة رحمة الله"، سائلاً "صحة الجسد والروح" و"نصيباً مع القديسين في الملكوت الأبدي".

ومن أمام الضريح، قال البابا: "نطلب السلام للعالم ونتضرّع إليه بشكل خاص من أجل لبنان وكل المشرق". وقدّم للدير شمعة أحضرها من روما، فيما تسلّم بدوره أول طبعة للمزامير الصادرة عام 1610 من دير مار أنطونيوس قزحيا وسراجاً يحوي ذخائر القديس شربل وشموع عسلية من صنع الرهبان. وبعد جولة بين أرجاء الدير، حيث حيا المؤمنين وباركهم والتقط الصور مع الرهبان، أوكل عبر حسابه على "إكس" احتياجات الكنيسة ولبنان والعالم إلى شفاعة القديس شربل، طالباً للكنيسة الوحدة وللعالم السلام، “لا سيما من أجل لبنان ومن أجل المشرق"، ومؤكداً "لا سلام بدون ارتداد القلوب".

مزار سيدة لبنان في حريصا

في المحطة الثانية في مزار سيدة لبنان في حريصا، استقبله رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والسيدة الأولى نعمت عون، فيما امتلأت البازيليك بحوالى 2700 شخص من لبنان ودول الجوار وأوروبا وأميركا وأستراليا. افتتح اللقاء كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك رفائيل بدروس الحادي والعشرين ميناسيان بكلمة اعتبر فيها أن "كل لبنان اليوم عاش لحظة نعمة"، وأن الزيارة "شعلة مضيئة للحياة"، مشدداً على أن لقاء التقاليد المختلفة يتحول إلى "غنى وعلامة نعمة" رغم الجراح التي أصابت الشعب اللبناني. ثم استمع البابا إلى شهادات رهبان وراهبات وعلمانيين عاملين ، قبل أن يحيي الحاضرين باللغة العربية قائلاً: "سلام المسيح". وأكد وجوب أن تكون المحبة "عميقة وصامدة صمود الأرز"، داعياً إلى تحويل الألم إلى أمل عبر المحبة، وتكريس الوحدة والتغلب على الانقسام. وفي لفتة تقليدية، قدّم الحبر الأعظم الوردة الذهبية للعذراء مريم قائلاً إنها "تحمل رائحة المسيح"، فيما قدّم له ممثلو الكنيسة اللبنانية لوحة خشبية تحمل صليبين وايقونة سيدة لبنان عربون وفاء للزيارة، قبل أن يمنح هو بدوره هدايا تذكارية للأساقفة اللبنانيين ويلتقط الصورة التذكارية الجامعة.


لاحقاً، تحوّلت ساحة الشهداء في قلب بيروت إلى منصةٍ للقاءٍ مسكوني وحواري بين الأديان، حيث ارتفعت العمائم إلى جانب الصلبان، واصطفت المرجعيات الروحية من مختلف الكنائس والطوائف في مشهد أعاد إبراز العاصمة كـ"جسر بين الأديان لا ساحة صراع". افتتح بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية إغناطيوس يوسف الثالث يونان اللقاء مرحباً بالبابا في "مدينة دمّرتها وجرحتها كارثة انفجار المرفأ"، ومشدداً على أن زيارة الحبر الأعظم تأتي إلى "بلد صغير على الخريطة كبير في دعوته الديموقراطية وفسيفسائه الدينية والثقافية"، مستعيداً تعريف لبنان بأنه "رسالة" للعالم، ومذكّراً بذكرى مجمع نيقية وبوثيقة "نوسترا آيتاتي" التي كرّست الحوار بين الأديان والاعتراف باليهودية والإسلام والحرية الدينية.


وتوالت كلمات رؤساء الكنائس والمراجع الإسلامية لتشدد على ثوابت مشتركة: البطريرك يوحنا العاشر يازجي رحب بالبابا في "البلد الذي يتنفس في بيئتيه المسيحية والإسلامية”، فيما أكد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أن لبنان بلد التعايش والتعدد الطائفي والحرية الدينية وحقوق الإنسان، مستعيداً نماذج تاريخية في العيش الواحد ووثيقة الأخوّة الإنسانية، ومعتبراً أن لبنان "أرض هذه الرسالة". الكاثوليكوس آرام الأول رأى أن لبنان بلد تنوّع يتجلّى في وحدة تحفظ هذا التنوع، وأن التعايش الإسلامي–المسيحي يجعله "جسراً بين الشرق والغرب". نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب شدد على ثقافة الأخوّة الإنسانية، وعلى أن التعايش السلمي هو القاعدة، وأن ما يجري من حروب باسم الأديان لا يعبر عن حقيقتها، واضعاً "قضية لبنان" بوجه العدوان الإسرائيلي والأزمات بين يدي البابا. البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني تحدث عن "مسكونية الدم" في المشرق ومعاناة المسيحيين والمسلمين جراء الحروب والإرهاب والعدو الإسرائيلي، داعياً إلى سلام مبني على العدالة وكرامة الإنسان ودولة يسودها القانون. شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى شدد على “الشراكة الروحية والوطنية” ولبنان كنموذج “التنوع في الوحدة”، وعلى أن اجتماع المسلمين والمسيحيين قادر على إحداث “بارقة أمل” وجعل صوت السلام أقوى من أصوات الحروب. القس جوزف قصاب وصف لبنان بأنه “وطن صغير أنهكته الحروب لكنه لم يفقد الرجاء”، فيما اعتبر رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ علي قدور أن زيارة البابا “رسالة رجاء” تؤكد أن لبنان، رغم محنه، قادر على استعادة دوره كـ”رسالة حرية وعيش مشترك”، وأن الإنسان هو “القيمة العليا” وأن الأوطان تُبنى بالتلاقي والشراكة والاحترام المتبادل.

في كلمته الختامية، قال البابا لاوون الرابع عشر إنه يقف "بتأثر عميق وامتنان كبير" على هذه "الأرض المباركة" التي مجّدها أنبياء العهد القديم ورأوا في أرزها الشامخ رمزاً لـ"النفس البارة"، مذكّراً بما جاء في الإرشاد الرسولي “الكنيسة في الشرق الأوسط” حول مركزية الحوار مع اليهود والمسلمين على أسس لاهوتية وروحية. ورأى أن المشهد الذي تقف فيه المآذن والأجراس “جنباً إلى جنب” يشهد على الإيمان الراسخ للشعب الواحد بالله الواحد، داعياً إلى أن يتّحد كل جرس وكل أذان وكل دعوة إلى الصلاة في “نشيد واحد” لتمجيد الخالق وطلب عطية السلام. وأشار إلى أن الشرق الأوسط، مهد الديانات الإبراهيمية، يرزح تحت صراعات معقّدة، لكن لبنان يذكّر بأن الخوف والأحكام المسبقة “ليست لها الكلمة الأخيرة”، وأن الوحدة والمصالحة والسلام ممكنة بين المسيحيين والمسلمين والدروز وغيرهم. واستعاد وثيقة “نوسترا آيتاتي” التي فتحت أفقاً جديداً للقاء والاحترام المتبادل، مؤكداً أن الحوار المتجذر في المحبة يرفض التحيّز والاضطهاد ويؤكد مساواة كرامة كل إنسان. وبتوقفه عند زيارة يسوع لنواحي صور وصيدا ولقائه المرأة السريانية الفينيقية، رأى أن جوهر الحوار بين الأديان هو “اكتشاف حضور الله الذي يتجاوز كل الحدود”، وانتقل إلى رمز شجرة الزيتون في التراثين المسيحي والإسلامي واليهودي كـ”رمز خالد للمصالحة والسلام”، وزيتها “بلسم لجراح الجسد والروح” ونور يذكّر بالدعوة إلى إضاءة القلوب بالإيمان والمحبة والتواضع. واعتبر أن انتشار اللبنانيين في العالم يشبه جذور الأرز والزيتون الممتدة في الأرض، داعياً إياهم أينما كانوا إلى أن يكونوا “بناة سلام” يواجهون عدم التسامح والعنف والإقصاء. وختم بالتوقف عند كون الخامس والعشرين من آذار عيداً وطنياً يكرَّم فيه اللبنانيون معاً مريم سيدة لبنان في حريصا، طالباً أن يكون عناقها “الوالدي والمحب” هداية لكي تفيض في لبنان والشرق الأوسط والعالم عطية المصالحة والعيش السلمي “مثل الأنهار التي تجري من لبنان".

لقاء تاريخي في بكركي
مع حلول المساء، وبعد "يوم حافل بالمحطات الروحية والحشود الشعبية"، وصل قداسة البابا لاوون الرابع عشر إلى الصرح البطريركي في بكركي للقاء شبيبة لبنان، عقب اللقاء الديني الجامع للطوائف في ساحة الشهداء. واستهل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اللقاء بكلمة عبّر فيها عن "خالص الشكر" للحبر الأعظم لأنه "زيّن أرضنا بحضوره"، مؤكداً أن هذه اللحظة "ستبقى مسجلة على صفحة ذاكرتنا الجماعية"، وأن الشباب يفرحون بحضوره لأنهم يرونه “أباً يرافقهم ويصغي إليهم"، وواصفاً إياه بأنه "بابا الإصغاء والرحمة والسلام” الذي يذكّر العالم بأن "النور أقوى من الظلمات وبأن صوت الكنيسة سيبقى صوت الرجاء وليس الخوف".
وفي الختام، بدأ البابا كلمته بالعربية متوجها إلى الجمهور الغفير، قائلا:" السلام عليكم".

وقال:" أشكركم جميعا على هذا الاستقبال وأشكر البطريرك الراعي على كلماته المعبّرة وأحيي الشباب القادمين من لبنان وسوريا والعراق".
أضاف:" أنتم ربما تحزنون لأنكم ورثتم عالماً مجروحاً ولكن يسكن الرجاء بداخلكم لديكم الوقت الكافي لتحلموا وتتنظموا وتقوموا بأعمال في سبيل الخير أنتم تبنون المستقبل".

أضاف:" لبنان سيزدهر مجدداً بشكل جميل وشامخ كالأرزة ونجد الكثير من الميزات في المجتمع اللبناني نتيجة العمل الشجاع والدؤوب للكثيرين ممّن يشبهون جذور الأرزة المترسخة في الأرض"، مؤكدًا أنّ "كلّ أرزة ستنمو وأنتم التزموا من أجل الأعمال الجيّدة والعدالة".
وقال البابا لاوون لشبيبة لبنان: كونوا مصدر الأمل الذي تنتظره هذه البلاد ويسوع مات وقام من أجل خلاصنا جميعاً وهو دليل الصفح الذي ينجينا من كل شرير ومنه نتعلم السلام"، مشيرا إلى أنّ السلام ليس كاملاً إنّ كان ثمرة مصالح لبعض الشخصيات وليس هناك من سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون غفران".

وقال: المحبة هي تاريخ في حياة المسيح والقديسين، فلننظر بصورة خاصة نحو الشباب، مثلكم، الذين لم يحبطوا بسبب الظلم، واختاروا المحاربة والبحث عن ملكوت الله وعدالته".

أضاف:" ابنوا عالما متجددا ولننظر للأمثلة المدهشة التي تركوها القديسون، والتجدّد يبدأ بالأفعال اليوميّة".

وقال:" انظروا إلى الله فهو يظهر لكل من يبحث عنه بالصلاة، فصلوا مثل القديس مار شربل".

وشدد على أنّه يجب أن تكونوا على ثقة بدعم الكنيسة على الرغم من التحديات التي تعيشونها في حياتكم ومجتمعاتكم، قائلا:" هل أنتم مستعدون لتكونوا صانعي سلام؟".
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

جاد حكيم - Jad Hakim