ذكر موقع "The Atlantic Council" الأميركي أنه "عندما انهار نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، توقع العديد من المحللين أن
روسيا على وشك فقدان البنية التحتية العسكرية التي بنتها على مدى العقد الماضي. وبدا وصول موسكو إلى قاعدة حميميم الجوية ذات الأهمية الاستراتيجية وقاعدة طرطوس البحرية غير مؤكد، في ظل إعادة السلطات
السورية الجديدة تقييم العلاقات الخارجية. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن روسيا تواجه قيودًا جديدة وإعادة مفاوضات مع السلطات السورية الجديدة، مما حدّ من حرية تنقلها".
وبحسب الموقع، "أثار هذا الأمر مخاوف لدى صانعي السياسات الغربيين من احتمال تحويل روسيا لموقفها الإقليمي نحو ليبيا في حال انهيار موطئ قدمها في
سوريا، نظراً لعلاقتها القائمة مع الجيش الوطني الليبي. وعززت موسكو علاقاتها مع قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، على مدى عقد تقريباً لضمان الوصول إلى الأراضي والبنية التحتية العسكرية في شرق ليبيا، وتحويلها إلى مركز لوجستي لروسيا لبسط نفوذها في عمق أفريقيا. وبعد مرور عام، يبدو وضع روسيا في سوريا أفضل مما توقعه الكثيرون في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط الأسد. فقد حافظت روسيا على وجود محدود ولكنه مستدام في سوريا، وأكدت اللقاءات الرفيعة المستوى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري أحمد الشرع دور موسكو في البلاد، كما التزم الشرع علنًا باحترام الاتفاقيات العسكرية القائمة. والنتيجة هي وجود أكثر تقييدًا، ولكنه لا يمثل خسارة استراتيجية".
وتابع الموقع، "رغم أن خطتها البديلة في ليبيا لم تكن ضرورية، إلا أن روسيا أمضت العام الماضي في تعزيز شبكتها اللوجستية في شرق وجنوب ليبيا. وباعتبارها مركز عبور، تمنح القواعد الجوية الليبية روسيا القدرة على التوغل عميقاً في القارة الأفريقية، حيث تنشر بذور عدم الاستقرار عبر شحنات الأسلحة وأفراد فيلقها الأفريقي، وهو جماعة شبه عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الروسية ووريثة لمجموعة فاغنر".
وأضاف الموقع، "بحلول أواخر عام 2024، وقبل أن يتحدد مستقبل روسيا في سوريا ما بعد الأسد، كانت موسكو تبحث بنشاط عن بدائل لعلاقاتها الاستراتيجية في
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ووردت تقارير عن رحلات جوية من سوريا إلى شرق ليبيا، وتحركات للأفراد والمعدات، وزيارات دبلوماسية قام بها مسؤولون روس إلى شرق ليبيا، في ظل تزايد المخاوف لدى القادة الغربيين بشأن إنشاء روسيا ميناءً بحرياً في شرق ليبيا. وبعد مرور عام، لم تتمكن روسيا بعد من تأمين ميناء في جنوب البحر الأبيض المتوسط، على الأرجح لأن السلطات الشرقية الليبية غير راغبة في تعريض تحسين العلاقات مع
الولايات المتحدة وتركيا والشركاء الأوروبيين للخطر من خلال منح موسكو منشأة ساحلية رئيسية. وبدلاً من ذلك، توسعت روسيا في عمق ليبيا، وتُعد قاعدة معطن السارة الجوية مثالاً بارزاً على ذلك. فهذه القاعدة، ذات الموقع الاستراتيجي قرب الحدود مع تشاد والسودان، تُشكل نقطة انطلاق لعمليات روسيا المزعزعة للاستقرار في منطقة الساحل، وقد أُنشئت قبل انهيار نظام الأسد، ويُقال إن الإمارات العربية المتحدة هي من تمولها. ولكن ابتداءً من كانون الأول 2024، بدأت المعدات والأفراد الروس، بالإضافة إلى المقاتلين السوريين الموالين لنظام الأسد، بالوصول إلى هذه القاعدة الجوية الصحراوية".
وبحسب الموقع، "رغم أن معطن السارة موقعٌ رئيسيٌّ في الوجود الروسي جنوب ليبيا، فإن موسكو تستخدم عدة مطارات كجزء من ممر عبورها إلى منطقة الساحل، وتشمل هذه المطارات قاعدة الخادم في شرق ليبيا، وقاعدة الجفرة في وسط ليبيا، وقاعدة براك الشاطئ قرب سبها، وقاعدة القردابية جنوب سرت. وتشكل هذه المواقع المتفرقة مجتمعةً شبكة عبور مرنة تربط موطئ قدم روسيا في سوريا بأنشطتها المتنامية في منطقة الساحل، مما يعزز قدرة روسيا على دعم انتشار قواتها في أفريقيا وإمداد شركائها الأفارقة بالأسلحة. وتخضع هذه الشبكة الداخلية لرقابة دولية أقل، وتتطلب تنازلات سياسية أقل من السلطات الليبية، وتتيح لموسكو الوصول إلى ممرات نائية تدعم عمليات النقل اللوجستي البعيدة المدى".
وتابع الموقع، "لم يمرّ التواجد الروسي المتزايد في ليبيا خلال العام الماضي دون رادع، فقد سعت الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون الرئيسيون إلى مواجهة الأنشطة والنفوذ الروسي، وتمثل ذلك بشكل أساسي في استراتيجية لتسريع التوحيد العسكري بين شرق ليبيا وغربها، مع وعود بالتعاون الأمني والتدريب. وكان نائب قائد الجيش الوطني الليبي، صدام حفتر، محور هذه الجهود الرامية إلى تحرير الجيش الوطني الليبي من قبضة روسيا. في شباط، أرسلت الولايات المتحدة طائرتين من طراز بي-52 إتش ستراتوفورتريس إلى المجال الجوي الليبي في إطار تدريب مشترك مع مراقبي الحركة الجوية التكتيكية التابعين للجيش الليبي. وفي نيسان، أجرت البحرية الأميركية أول زيارة لها إلى ليبيا منذ أكثر من خمسين عامًا، حيث توقفت في طرابلس وبنغازي. وفي الشهر عينه، استضافت أنقرة زيارة من صدام حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، وفي آب، أجرت البحرية التركية زيارات مماثلة إلى كل من طرابلس وبنغازي".
وأضاف الموقع، "على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، استضافت الولايات المتحدة اجتماعاً لكبار المسؤولين بشأن ليبيا، وضمّ الاجتماع ممثلين عن مصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقطر والمملكة العربية
السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة. وتمّ التأكيد على أهمية التكامل الأمني بين الشرق والغرب في ليبيا، فضلاً عن أهمية تعديل حظر الأسلحة الذي تفرضه
الأمم المتحدة في كانون الثاني 2025، والذي يتيح التدريب المشترك والمساعدة التقنية لدعم هذا التكامل. وفي تشرين الأول، أعلن نائب قائد القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، الفريق جون برينان، أن ليبيا ستشارك في استضافة جزء من مناورات فلينتلوك السنوية للجيش الأميركي في ربيع عام 2026. وعلق برينان قائلاً: "لا تقتصر هذه المناورات على التدريب العسكري فحسب، بل تتعلق بتجاوز الانقسامات، وبناء القدرات، ودعم حق ليبيا السيادي في تقرير مستقبلها"."
وبحسب الموقع، "خلال الأسبوع الأول من شهر كانون الأول، التقى قائد القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال داغفين أندرسون، في طرابلس مع نائب
وزير الدفاع عبد السلام الزعبي ورئيس الأركان الجنرال محمد الحداد، بالإضافة إلى لقاء مع حفتر ونجله نائب القائد صدام حفتر في بنغازي. وتركزت هذه المباحثات على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ودعم الجهود الليبية لتوحيد المؤسسات العسكرية، والتعاون الأمني بين الولايات المتحدة وليبيا، بما في ذلك مناورات فلينتلوك 26. ورغم أن هذه الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وشركاؤها قد ساهمت على الأرجح في تعزيز التكامل العسكري بين الشرق والغرب في ليبيا، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستراتيجية قد حققت نجاحًا يُذكر في مواجهة الأنشطة الروسية أو في فصل روسيا عن قيادة الجيش الوطني الليبي. وقد لا تكون الحوافز، كالشرعية والتعاون الأمني، كافية وحدها لمحاولة إبعاد الجيش الوطني الليبي عن النفوذ الروسي، وقد يكون من الضروري أيضًا اللجوء إلى أساليب اقتصادية ضاغطة، كالعقوبات الموجهة".
وتابع الموقع، "إن عدم السماح لروسيا باستخدام ليبيا كمركز عبور لشحنات أسلحتها ولتدفق الأفراد إلى منطقة الساحل، أو الحد منه بشكل كبير، سيكون خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار وإنهاء الصراعات في القارة، وهذا من شأنه أن يدعم أولويات بناء السلام التي وضعها الرئيس الأميركي
دونالد ترامب، والتي سعى مستشاره البارز مسعد بولس إلى تعزيزها خلال العام الماضي. بعد مرور عام على سقوط الأسد، قد لا تكون أهم قواعد روسيا في المنطقة هي قاعدة حميميم الجوية أو قاعدة طرطوس البحرية في سوريا، بل مجموعة من القواعد الجوية الصغيرة المنتشرة في أنحاء ليبيا، ويمثل هذا جبهة رئيسية في جهود واشنطن وحلفائها لمواجهة روسيا".