شكل عام 2025 محطة مفصلية في مسار الأزمات المتراكمة التي يعيشها
لبنان منذ سنوات، إذ تداخلت فيه التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية بصورة كثيفة، في ظل محاولات داخلية متعثرة لإعادة بناء الدولة، وضغوط خارجية متزايدة فرضتها التحولات الإقليمية. فكان عاما حافلا بالأحداث، كشف عمق الأزمة البنيوية للنظام اللبناني، لكنه حمل في الوقت نفسه مؤشرات خجولة لتحولات محتملة، وإن بقيت محفوفة بالمخاطر وعدم اليقين.
سياسيا، استمر الانقسام الداخلي السمة الأبرز للحياة العامة. فعلى الرغم من تشكيل حكومة جديدة مطلع العام بعد مخاض طويل، بقي أداؤها مقيدا بتوازنات سياسية دقيقة وخلافات حادة حول
القضايا السيادية والإصلاحية، ولا سيما ملف السلاح والإصلاحات المالية المطلوبة دوليا. رفعت الحكومة شعار الإصلاح واستعادة الثقة، إلا أن التنفيذ بقي محدودا، إذ تحول كل قرار مصيري إلى ساحة تجاذب بين القوى السياسية، ما انعكس بطئا شديدا في معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وأبقى البلاد في دائرة الشلل السياسي.
وفي هذا السياق، عاد ملف السلاح بقوة إلى الواجهة خلال عام 2025، متأثرا بتداعيات الحرب
الإسرائيلية الأخيرة وتصاعد الحديث عن حصر السلاح بيد الدولة. غير أن هذا النقاش جرى في ظل واقع أمني شديد التعقيد، حيث واصلت
إسرائيل ولا تزال انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ اعتداءات واغتيالات استهدفت الجنوب، الضاحية، والبقاع
الشمالي، ما أعاد طرح معادلة الأمن والسيادة من جديد. وقد تعمق الانقسام الداخلي بين من يرى في السلاح عنصر ردع ضروريا في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، ومن يعتبره عائقا أساسيا أمام قيام دولة مكتملة السيادة وقادرة على بسط سلطتها على كامل أراضيها.
وسجل العام تطورا لافتا تمثل في انتشار الجيش جنوب الليطاني، في خطوة حملت دلالات سياسية وأمنية مهمة، وأعادت تسليط الضوء على دور المؤسسة العسكرية في تثبيت الاستقرار. وترافق ذلك مع تطور في خطاب
حزب الله، حيث أكد التزامه بالمشاركة في بناء الدولة
اللبنانية القوية والعادلة تحت سقف اتفاق الطائف، مع التشديد على وحدة الوطن والسلم الأهلي، والاستعداد لحوار وطني شامل يضع على الطاولة مختلف الملفات العالقة التي تعيق إصلاح الدولة وبناء مؤسساتها. وفي هذا الإطار، جرى التأكيد على متانة العلاقة بين حزب الله والجيش ، ووصفت بأنها علاقة تعاون وثقة متبادلة، في ظل مقاربة تربط الاستقرار الداخلي بالتكامل بين مختلف مكونات الدولة والمجتمع.
على المستوى الإقليمي، برزت خلال عام 2025 مؤشرات على انفتاح في علاقات الحزب مع عدد من الدول، أبرزها تركيا وقطر ومصر. وفي هذا الإطار أيضًا، جاءت دعوة الحزب للسعودية إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات العربية، وتنحية الخلافات، والعمل على بلورة موقف موحد في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، في محاولة لإعادة ترتيب العلاقات ضمن هوامش ضيقة تفرضها موازين القوى القائمة.
ومع اقتراب نهاية العام، تزايدت الأسئلة حول مآلات الملف اللبناني في 2026، ولا سيما في ما يتعلق بمسألة نزع السلاح شمال الليطاني، والاستحقاقات السياسية والأمنية المرتقبة، ومنها جلسة
مجلس الوزراء في الخامس من كانون الثاني، واجتماع لجنة الميكانيزم في السابع من الشهر نفسه. وتأتي هذه الاستحقاقات في ظل مناخ إقليمي ضاغط، زاد من حدّته اللقاء الأخير بين الرئيس الأميركي
دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي أظهر أن الملف اللبناني ينظر إليه من زاوية أمنية صرفة، ضمن خريطة طريق تعتبر أن الحسم قد يتم عبر التفاوض أو الضغط العسكري أو الجمع بين المسارين.
وتكشف تصريحات ترامب، التي أبدى فيها تشكيكا بقدرة الحكومة اللبنانية واتهامه حزب الله بسوء السلوك، عن مقاربة أميركية تمنح إسرائيل هامشًا واسعا للتحرك، بما يتوافق مع هدف نتنياهو المعلن بالسعي إلى حسم الملف اللبناني بأي وسيلة ممكنة. وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو لبنان مقبلا على مرحلة دقيقة، حيث ستتحدد خياراته بين الانزلاق إلى مزيد من التصعيد، أو محاولة استثمار ما تبقى من فرص الحوار الداخلي وتحصين الاستقرار الهش.
وعليه، يمكن القول إن عام 2025 شكل عام الانكشاف الكبير، الذي ظهرت فيه بوضوح حدود التسويات الداخلية وهشاشة التوازنات السياسية، في مقابل ثقل العامل الخارجي في رسم المسارات اللبنانية. أما عام 2026، فيحمل معه مفترقا حاسم: إما أن ينجح اللبنانيون في تحويل الدعوات إلى الحوار وبناء الدولة إلى خطوات عملية تعيد الاعتبار للمؤسسات وتخفف من منسوب المخاطر، أو أن يبقى البلد ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية، مع ما يحمله ذلك من أثمان باهظة على الاستقرار والسيادة ومستقبل الدولة.