تسارعت التطورات الإقليمية والدولية المتعلقة بالقضية
الفلسطينية، مع بروز مؤشرات جديدة توحي بمرحلة مفصلية في تاريخ الصراع العربي–
الإسرائيلي، وتزايد الزخم الدولي الداعم لحل الدولتين. ففي هذا السياق، يعقد مؤتمر دولي برعاية
فرنسا والسعودية بشأن حل الدولتين لإنهاء النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني، وذلك بين 17 و20 حزيران في مقر
الأمم المتحدة في
نيويورك. وقد شددت
المملكة العربية السعودية على رفض أي مسار تطبيعي مع
إسرائيل لا يسبقه إعلان قيام الدولة الفلسطينية. في الوقت نفسه، أعلنت فرنسا وعدد من الدول الأوروبية عن توجهها للاعتراف الرسمي بدولة
فلسطين، ما يعزز التطلعات الفلسطينية نحو نيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. ويذكر أن نحو 150 دولة تعترف بدولة فلسطين، التي تتمتع حالياً بصفة عضو مراقب في الأمم المتحدة، أي أن عضويتها غير مكتملة، لعدم صدور قرار من
مجلس الأمن بهذا الشأن. وفي أيار 2024، اعترفت كل من أيرلندا والنرويج وإسبانيا رسمياً بدولة فلسطين.
وفي ظل هذا المناخ السياسي الدولي، تتحرك القيادة الفلسطينية لتفعيل حضورها على الساحة الإقليمية، وهو ما تترجمه زيارة الرئيس محمود عباس إلى
لبنان، في مهمة دبلوماسية تبدأ اليوم وتستمر ثلاثة أيام وتحمل أبعاداً متعددة. وتهدف هذه الزيارة التي يلتقي خلالها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب
نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، إلى مناقشة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، ولا سيما في ظل تصاعد الضغوط الدولية على
بيروت لتطبيق القرار 1701، وضمان احتكار السلاح بيد
الدولة اللبنانية فقط.
ويشكل الملف الأمني المتعلق بالمخيمات، خصوصاً تلك الواقعة جنوب نهر الليطاني، محوراً أساسياً للبحث، في ظل تقارير أمنية أكدت ارتباط فصائل فلسطينية بإطلاق صواريخ من داخل هذه المخيمات الى الاراضي المحتلة. ويبدي
العهد موقفاً متشدداً حيال معالجة الوضع مع اتجاهه إلى وضع خطة تنفيذية لسحب السلاح من المخيمات، بعدما أوصى المجلس الأعلى للدفاع، بمنع استخدام الأراضي
اللبنانية لأي نشاط عسكري من قبل جهات غير شرعية حيث حذر حركة
حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي اللبناني وأنه سيتم اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية.
وعلى الرغم من الموقف الفلسطيني الرسمي المؤيد لتسليم السلاح إلى الدولة اللبنانية، تبقى المعضلة في تعدد الفصائل الفلسطينية المسلحة، وعلى رأسها حركة حماس التي لا تزال ترفض تسليم سلاحها، ويكمن القلق في احتمال انفجار أمني داخل المخيمات إذا ما لجأت الحكومة إلى سحب السلاح بالقوة. وتشير المعلومات إلى أن معالجة هذا الملف تتطلب تفاهمات إقليمية – لبنانية، من شأنها أن تدفع بالدول المؤثرة على حماس للضغط عليها لتسليم سلاحها والالتزام بالموقف الفلسطيني الرسمي.
لقد طرحت قضية ضبط السلاح في المخيمات مراراً في السنوات الماضية. ففي جلسات الحوار عام 2006، أجمعت المكونات السياسية اللبنانية على ضرورة نزعه وحصره وتنظيمه داخل المخيمات. وخلال ولاية الرئيس ميشال سليمان، تم الاتفاق في عام 2009 على آلية لسحب السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات. وفي عام 2012، حدّد الرئيس سليمان خطوات إنهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، ومعالجة ملف السلاح داخلها، لكن رغم كل هذه التفاهمات، لم تنفذ القرارات، واستمرت المخيمات الفلسطينية بتطبيق نظام الأمن الذاتي.
وفي هذا السياق، يذكر أن الرئيس عباس صرّح خلال زيارته لبنان في العام 2013 أن قرار السلاح الفلسطيني في لبنان هو بيد رئيسي الجمهورية والحكومة اللبنانية. ومع ذلك، لم تترجم هذه التصريحات إلى إجراءات عملية، بل استمرت التوترات الأمنية، خصوصاً في مخيم عين الحلوة، الذي يشهد من حين لآخر اشتباكات مسلّحة نتيجة خلافات داخلية أو توترات ذات طابع إقليمي.
وتحذر مصادر أمنية من أن التعامل مع ملف المخيمات يجب أن يتم بحكمة، لأن أي خطوة متسرعة قد تؤدي إلى انفلات أمني واسع.
وتؤكد هذه المصادر أهمية التنسيق بين
الجيش اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية، من أجل قطع الطريق على أي اشتباكات داخل المخيمات يمكن أن تمتد إلى خارجها. في المقابل، تجدد المصادر الفلسطينية
التزام السلطة الوطنية الفلسطينية بدعم سيادة الدولة اللبنانية، ورفض استخدام الأراضي اللبنانية لأي أعمال عسكرية، مع التشديد على وحدة الموقف الفلسطيني في دعم الاستقرار اللبناني.
المرحلة الراهنة تفرض على جميع الأطراف – اللبنانية، والفلسطينية، والإقليمية – اعتماد مقاربة جديدة أكثر واقعية، توازن بين ضرورات الأمن القومي اللبناني ومتطلبات الحقوق الفلسطينية، وتفتح الطريق أمام حل جذري لقضية اللاجئين، في سياق سلام عادل وشامل.