رغم الضربات التي تلقاها "
حزب الله" خلال المرحلة الماضية، والتي طالت بنيته العسكرية والسياسية وحتى صورته الإعلامية، إلا أن ما يظهر اليوم يؤشر إلى مرحلة ترميم هادئة ومدروسة، لا تتسم بالاستعراض، بل بإعادة بناء هادئة ومتماسكة. فالحزب، كما تشير المعطيات، يعمل على إعادة تأهيل قدراته العسكرية والتنظيمية بصمت، واضعًا في الحسبان أن توازن القوى في المنطقة هش ومتغير، وأن الجاهزية لم تعد خيارًا بل ضرورة.
لكن هذا العمل التنظيمي لا يعني بالضرورة أن الحزب يتجه نحو خيار المواجهة. فعلى العكس، تنقل مصادر مطلعة بوضوح أن لا نية لديه للدخول في أي صراع، سواء مع قوة داخلية أو مع طرف إقليمي. الحزب يدرك أن الظرف الحالي لا يسمح بمغامرات، وأن أي تصعيد غير محسوب قد يؤدي إلى فوضى داخلية لا يريدها أحد.
في المقابل، فان الامتناع عن القتال لا يعني التخلي عن عناصر القوة. الحزب يعيد ترتيب صفوفه لا بنيّة الهجوم، بل خوفًا من أن يتحول إلى هدف سهل لإسرائيل أو لأي عدو خارجي. لذلك فإن إعادة الترميم هي في جوهرها عمل دفاعي استباقي، يُبقيه حاضرًا في المعادلة من دون أن يدفعه إلى الواجهة.
أما من جهة العمل الأمني، فرغم أن تحركات الحزب باتت مرصودة أكثر من أي وقت مضى من قبل الأجهزة، إلا أن نشاطه لا يبدو مكشوفًا كما كان سابقًا، وهذا يرتبط بسلوكه وأدائه.
لبنان، في هذا الإطار، قد يكون أقرب اليوم إلى مسار تفاوضي غير مباشر مع أطراف أميركية أو دولية، من أجل رسم ملامح تسوية تنهي حالة الاشتباك مع
إسرائيل، من دون الذهاب إلى خيار التطبيع الذي لا يحظى بأي قبول داخلي، بل قد يفجّر توترات كبيرة لا قدرة لأحد على ضبطها.
ولذلك، فإن تفعيل اتفاقية الهدنة يبدو الخيار الوحيد الواقعي، الذي يمكن التفاهم عليه محليًا ويحظى بتفهم أميركي أيضًا. فواشنطن، رغم كل حديثها العلني عن التطبيع، ليست في وارد إشعال فتنة جديدة في لبنان، وتفضل بدائل تحفظ الاستقرار دون أن تُحدث خرقًا في التوازنات الدقيقة للبلد.