لم تصدق
إسرائيل في ما وعدت به
الأميركيين مرة جديدة، وهي لم تكن ولا مرّة صادقة في وعودها. وبعكس ما نُقل عن نائبة المبعوث الأميركي إلى
الشرق الأوسط مورغان اورتاغوس عن "ضمانات إسرائيلية" بأنها لن تشّن أي اعتداء في اليوم الجنوبي الانتخابي، جاءت الاعتداءات
الإسرائيلية على أكثر من بلدة جنوبية، عشية هذا الاستحقاق، الذي يطوي معه
لبنان صفحة الانتخابات البلدية والاختيارية، مع ما أفرزته من نتائج، وما حقّقته القوى السياسية من إثبات للذات في المناطق الحساسة، والتي يمكن اعتبارها مؤشرًا مهمًّا للاستحقاق النيابي في أيار المقبل.
فالقوى السياسية بأحزابها وتياراتها حاولت من خلال هذا الاستحقاق المحلي، والذي له طابع عائلي أكثر منه سياسي، أن تعرض عضلاتها في البلدات والقرى الحسّاسة كمدينة زحلة على سبيل المثال، ومدينتي جونيه وجبيل، إضافة إلى بلدات أخرى، حيث سُجّل تقدّم واضح لبعض هذه الأحزاب مقابل تراجع أحزاب وتيارات أخرى، على أن تُحسم هذه التوازنات في ما ستفضي إليه الانتخابات المنتظرة لرؤساء الاتحادات الأحجام الحقيقية لهذه الأحزاب، خصوصًا أنها تلعب دورًا محوريًا في ما ستؤول إليه نتائج هذه الانتخابات.
وعلى رغم نقل أقلام الاقتراع في البلدات الحدودية، وبالأخصّ تلك القريبة من التلال الخمس، التي لا تزال تحت الاحتلال، وذلك تلافيًا لإعطاء العدو ذريعة إضافية لما يمكن أن يقدم عليه في هذا اليوم بالتزامن مع ما قامت به الجهات الرسمية المعنية من اتصالات بالمسؤولين الأميركيين لا سيما برئيس لجنة الإشراف على تطبيق القرار 1701 لضمان عدم قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بشنّ غارات وتسيير مسيّرات بهدف تمرير هذا الاستحقاق الدستوري بسلام وسلاسة، وللسماح للمواطنين الجنوبيين بممارسة حقهم الديمقراطي، ووعدت اللجنة بإجراء الاتصالات اللازمة مع الحكومة الإسرائيلية، غير أن اللجنة لم تقدّم للحكومة
اللبنانية وعداً جازماً على هذا الصعيد. ووفق المعلومات فإن المخاوف الأمنية من أن تستغل إسرائيل حركة المواطنين على الطرقات للانتقال إلى أقلام الاقتراع وتقوم بعمليات اعتداءات واغتيالات لما تدعيه بأنهم قيادات أو عناصر أو آليات لـ "
حزب الله".
وما زاد من قلق القوى السياسية المعنية بهذا اليوم الانتخابي العسير، وكذلك من مخاوف المواطنين، ما قام به العدو من غارات متتالية على ما اعتبره أهدافًا تشكّل خطرًا على أمن إسرائيل في قسمها
الشمالي. وفي الاعتقاد أن من وراء هذه
الغارات أهدافًا باتت معروفة ومكشوفة للقاصي والداني، وهي "التنغيص" على الجنوبيين، ودفعهم إلى عدم ممارسة حقهم الانتخابي، والتي عمل عليها بقوة وإصرار كل من "حزب الله" وحركة "أمل" من خلال ما تمّ التوافق بينهما على أن تأتي نتائج معظم البلدات الجنوبية لتصبّ في مصلحتهما عبر التزكيات، أو من خلال "المعارك"
الانتخابية المحدودة، حيث يصرّ بعض القوى الشيعية
المعارضة على "التمريك" على "
الثنائي" من خلال إحداث بعض الخروقات في البلدات والقرى، التي تُعتبر تاريخيًا غير موالية لخط "
المقاومة" من حيث أهدافها وتوجهاتها.
ولأن إسرائيل تخشى أن تصب نتائج هذه الانتخابات، سواء عبر التزكيات أو عبر "المعارك" الانتخابية، في مصلحة "الثنائي الشيعي"، الذي سيحاول "استثمار" هذا الفوز، كما حصل في
البقاع، فهي مصممة على تعكير صفو هذا اليوم الانتخابي، أو كما تقول مصادر "الثنائي" هذا العرس الجنوبي"، على أن يبقى أي اعتداء قد تقدم عليه إسرائيل في هذا اليوم برسم
المجتمع الدولي، وبالأخصّ
الولايات المتحدة الأميركية، التي تبذل أقصى الجهود وتمارس أقصى الضغوطات على تل أبيب لمنعها من القيام بأي "مغامرة" قد يكون لها مفاعيل عكسية على نتائج الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي
دونالد ترامب للمنطقة، على أن يبقى السؤال عن مدى إمكانية نجاح هذا المسعى الأميركي في لجم إسرائيل ومنعها من ارتكاب أي حماقة.
المعلومات المتوافرة وقبل ساعات من فجر اليوم الانتخابي الجنوبي أن
واشنطن قد وجهّت إلى تل أبيب تحذيرًا شديد اللهجة، خصوصًا أن أي عمل قد تقوم به في هذا اليوم بالذات قد يعرّض الاستقرار العام في المنطقة للاهتزاز. وهذا ما لا يصبّ في خانة ما يمكن أن تستثمره الولايات المتحدة الأميركية من نتائج زيارة رئيسها للمنطقة، وبالأخص لجهة ما يمكن أن ينتج عن قرار رفع
العقوبات عن
سوريا من نتائج متوقعة.