اختتم "معرض
بيروت العربي الدولي للكتاب" فعاليات دورته السادسة والستين، التي أقيمت بين 15 و25 أيار 2025، محققًا حضورًا لافتًا على المستويين الثقافي والجماهيري، في مشهد أعاد إلى العاصمة
اللبنانية وهجها الفكري والإنساني وسط تحديات معيشية واقتصادية خانقة.
وعلى مدى عشرة أيام، شكّل المعرض منصةً حيوية جمعت بين الفكر والأدب والسياسة والفن، حيث شهد تنظيم أكثر من 60 ندوة تنوعت بين الشعر والموسيقى والفكر والنقد، إلى جانب أكثر من 300 حفل توقيع، وفعاليات خاصة للأطفال، فضلاً عن استقطاب ما يزيد على 10 آلاف طالب من 200 مدرسة ومعهد وجامعة، وسط مشاركة ناشطة من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية.
نزار قباني حاضرًا "من فوق الماء"
في أمسية استثنائية بعنوان "رسائل من فوق الماء"، نظّم "النادي العربي الثقافي" بالتعاون مع "صالون 20" احتفالاً بالشاعر الراحل نزار قباني. أدارت الأمسية الشاعرة ندين
خوري، واعتُمد فيها يوم 30 نيسان من كل عام "يوم نزار حيًّا"، في مبادرة أطلقها الأديب طلال الغندور تكريمًا لصاحب "خبز وحب".
الشاعرة رحاب كمال الحلو قدّمت نصًا نثريًا وجدانيًا شكل مرثاة شعرية في زمن
الذكاء الاصطناعي، حيث استحضرت نزار كرمز للقصيدة النابضة بالحياة، وعبّرت عن القلق من طغيان الرقمنة على المشاعر الإنسانية، في حوار شعري جمع بين الذاكرة والمستقبل.
تحية إلى شوقي أبي شقرا: "ملك اللغة والحلم"
وفي ندوة تكريمية مميزة، احتفى "النادي العربي الثقافي" بالشاعر الكبير شوقي أبي شقرا، أحد أبرز أعمدة الحداثة الشعرية في
لبنان والعالم العربي. أدار الندوة الكاتب والناشر سليمان بختي، وشارك فيها كوكبة من الشعراء والمفكرين، الذين قاربوا تجربته من زوايا مختلفة.
الدكتور أمين البرت الريحاني وصفه بـ"عازف الفانتازيا الشعرية"، فيما رأت الدكتورة إلهام كلاب في قصائده "حديقة سرّية" تُشعل الحواس، وأكد الشاعر
إسماعيل فقيه أنه "امتلك قاموسًا شعريًا لا يشبه أحدًا". كما تحدّث آخرون عن علاقته المتوترة والإبداعية في آن مع نزار قباني، مؤكدين مكانة شوقي الفريدة في خريطة الشعر العربي الحديث.
كامل مهنا: الحركات الاجتماعية تصنع التغيير
وتحت عنوان "مؤسسات عامل وتجليات التغيير الاجتماعي"، ناقش الدكتور كامل مهنا، مؤسس "مؤسسة عامل الدولية"، دور
المجتمع المدني في إحداث تحول اجتماعي في لبنان والعالم العربي. بحضور الرئيس
فؤاد السنيورة، شدد مهنا على أهمية استقلالية الجمعيات عن التمويل السياسي، وركّز على تجارب الشباب والنساء في الميدان، إذ تشكّل النساء 85% من كوادر "عامل".
وأشار إلى أنّ "عامل" ليست حزبًا سياسيًا بل حركة اجتماعية تنموية عابرة للطوائف والمناطق، تسعى لبناء دولة من الناس وللناس، مستحضرًا مقولة مونتسكيو: "أنا إنسان بالضرورة".
مئة عام على "ملوك العرب" لأمين الريحاني
كذلك في ندوة فكرية نظّمها "النادي العربي الثقافي" و"دار نلسن للنشر"، أحيت بيروت الذكرى المئوية لصدور كتاب "ملوك العرب" لأمين الريحاني، المفكر والرحالة اللبناني الرائد. سلّط المشاركون الضوء على راهنية فكر الريحاني وتطلعاته إلى وحدة العرب واستقلال القرار.
ألبيرت الريحاني، نجل الأديب، استعاد لحظات لقائه بالملك
عبد العزيز آل سعود، مشيرًا إلى استقلالية الريحاني الفكرية والمالية. أما الدكتورة إلهام كلاب، فوصفت الريحاني بأنه "مشاء الفكر" الذي سبق عصره في قضايا المرأة والحرية. بدوره، رأى مكرم غصوب أن الريحاني "حفر دربًا أدبيًا بروح كونية حالمة لا تُقيدها الحُرم ولا الحدود".
بيروت تقرأ وتُبدع رغم الألم
دورة هذا العام جاءت لتؤكد مجددًا على أن بيروت ما زالت قادرة على تجديد نبضها الثقافي والإنساني. رغم الانهيارات المتراكمة، كان الكتاب هو العنوان الأسمى، والكلمة جسرًا بين الأجيال.
وفي زمن الرقمنة والتشظي، بدا المعرض مساحة لقاء وحوار وانتماء إلى ما تبقّى من هوية، جسّدها الزوار بعشرات الآلاف، من كل الأعمار والمناطق، ومن خلفيات فكرية متباينة، في مشهد يجمع بين وجع الحاضر وأمل
الغد.