كتبت" الاخبار": حصر السلاح - بما فيه الفلسطيني - بيد الدولة بند دائم على جدول أعمال السلطة
اللبنانية الجديدة. غير أن أحداً لم يطلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يبادر إلى فتح هذا الملف، لعلم الجميع، بمن فيهم سلطة رام الله نفسها، أن هذا مسار شائك ومعقّد، وأن أيّ حل جذري له لا يمكن أن يتم خارج سياق تسوية شاملة للقضية
الفلسطينية برمّتها على مستوى الإقليم، وليس عبر مبادرات مرتجلة، أو مدفوعة من أطراف خارجية هدفها الأول والأساس سلاح
المقاومة.
في زيارته لبيروت الشهر الماضي، بادر «أبو مازن» إلى طرح سحب سلاح المخيمات، وكأنه يحمل حلاً سحرياً لمشكلة غير مطروحة أصلاً، فبدت «مبادرته» كهدية بلا مناسبة، وكموقف بلا حساب لتبعاته، واستُقبلت بقدرٍ من الاستغراب حتى من أركان الدولة اللبنانية (ربما باستثناء رئيس الحكومة نواف سلام)، لعلمهم بأن نفوذ سلطة عباس في المخيمات بالكاد يوازي نفوذ أيّ فصيل فلسطيني آخر. فضلاً عن أن «الهدية المسمومة» هذه تسبّبت بانقسام داخل حركة «فتح» نفسها، وهذا ما أدّى إلى تراجع رام الله عن مبادرتها الكلامية.
ففي اجتماع أمني عُقد أمس ضمّ ضابطين من مديرية المخابرات في
الجيش اللبناني وضابطين من الأمن العام، إلى جانب وفد فلسطيني رفيع تألّف من ثلاثة ضباط برتبة لواء ومسؤول الملف اللبناني في منظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد، أكّد ممثّلو السلطة الفلسطينية «أننا ملتزمون، ولن نتراجع عن تسليم السلاح، ونحن عند وعدنا».
لكنهم استدركوا بـ«أننا تسرّعنا في تحديد مواعيد تسليم السلاح قبل الاتفاق على آلية جمعه»، طالبين مزيداً من الوقت، لأن «تحديد مواعيد التسليم لم يكن مقروناً بآلية واضحة للتنفيذ الذي يتطلّب وضع ضوابط دقيقة ومطابَقة القيود، وهو ما يحتاج إلى ترتيبات زمنية وإدارية لا تزال قيد الإعداد». وكان مقرّراً، وفق ما التزمه
الفلسطينيون، البدء في جمع سلاح المخيمات في
بيروت في 16 الجاري، وفي مخيمات
البقاع والشمال في 1 تموز المقبل، على أن يجري البحث لاحقاً في مواعيد تسليم سلاح مخيمات الجنوب. مصادر لبنانية متابعة رأت أن ما طرحه الوفد الفلسطيني يشكّل تراجعاً فعلياً عن مبادرة عباس المتسرّعة، أو على الأقل تجميداً لها إلى أجل غير مسمّى، في انتظار مخرج يحفظ ماء الوجه. ولفتت إلى أن مبادرة عباس بشأن سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات «تفتقر إلى الجدية، ولا يمكن تطبيقها، وتحمل قدراً من التضليل».
وأضافت أن رئيس السلطة الفلسطينية «جاء إلى
لبنان حاملاً ورقة فتنة داخلية، تهدف فعلياً إلى تجريد فصائل المقاومة الفلسطينية من غطائها، تمهيداً لضرب مشروعية سلاح
حزب الله الذي يستمدّ شرعيته من كونه في موقع المواجهة مع الاحتلال
الإسرائيلي، ومن أنه في ظل وجود سلاح فلسطيني متمركز عند أبواب الجنوب، لا يمكن أن يُطلب من مقاومة لبنانية تسليم سلاحها». وأشارت المصادر إلى أن ما حمله «أبو مازن» إلى بيروت كان يمكن أن يؤدّي إلى صدام فلسطيني - لبناني، وربما إلى انقسام داخلي لبناني، لولا تعامل رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب
نبيه بري معه ببرودة ومسؤولية، ما أدّى إلى تحويله إلى خلاف فلسطيني - فلسطيني، في ظل اعتراض عدد من قادة «فتح» على الخطوة. وتُضيف المصادر أن الجانب الفلسطيني هو من بادر إلى طرح مسألة تسليم السلاح، و«هو من تسلّق الشجرة، فيما الدولة تعاملت بمسؤولية وحرص. جاؤوا بصفتهم سلطة وقالوا إنهم يريدون تسليم سلاحهم، فكان الجواب بطبيعة الحال: أهلاً وسهلاً. حدّدوا تواريخ واختاروا الأماكن التي تريدون التسليم فيها، فجاء الردّ بالموافقة. واليوم، يقولون إنهم بحاجة إلى تحديد آلية التسليم، وقد أبدى الجانب اللبناني أيضاً الاستعداد للتعاون.
لكنّ الموقف اللبناني واضح تماماً: لا دخول إلى المخيمات، ولا انجرار إلى أيّ اشتباك، ولن تُستدرج
الأجهزة الأمنية إلى فتنة تخدم حسابات خارجية لا مصلحة للبنان فيها».
في المحصّلة، ما بدأه الرئيس الفلسطيني على عجل احترق سريعاً، وسط إدراك متأخّر بأن الملف أعقد من أن يُفتح بخفّة، وأخطر من أن يُدار بحسابات ضيقة أو بضغط من الخارج، وأن السلاح لا يُسلّم بقرار فوقي، بل بالتفاهم، وبما يضمن حماية المخيمات والجنوب معاً، لا كشفهما.