كان مجرّد الإعلان عن زيارة سيقوم بها وفد من كتلة "الوفاء للمقاومة" برئاسة النائب محمد رعد، إلى السراي الحكوميّ، للإيحاء بأنّ الوساطات والمبادرات التي انطلقت منذ تصريح رعد الشهير عما "ما تبقّى من ودّ" قد نجحت في تقريب وجهات النظر، أو بالحدّ الأدنى في التفاهم على تغليب مساحات التقاطع على مناطق الخلاف والتباين، وبالتالي في ترميم العلاقة التي بدت على قاب قوسين أو أدنى من الانهيار في الفترة الأخيرة.
وبالفعل، فقد عكست تصريحات النائب رعد نفسه بعد انتهاء اللقاء بين وفد "
حزب الله" ورئيس الحكومة هذه الأجواء، فهو حرص على الحديث مرّة أخرى عن "ودّ"، بقوله "لا نضمر إلا الودّ"، مضيفًا إليه "ابتسامات" قال إنّ نواب الحزب تسلّحوا بها عند دخولهم الاجتماع، وحافظوا عليها عند خروجهم، من الجلسة التي دامت 41 دقيقة، "وعالجنا فيها الكثير من
القضايا والموضوعات التي لم نكن نتوقع أن نعالجها"، على حدّ تعبيره.
هكذا، عبّر رعد في ختام اللقاء عن "إيجابيّة" بدت غائبة في الأيام الماضية، في مقاربة مواقف رئيس الحكومة، متحدّثًا عن سلسلة من الملفات، من الإصلاح إلى إعادة الإعمار، مرورًا بالسلاح الذي كانت "ملائكته حاضرة"، وإن لم يُناقَش بالتفصيل، وفق ما كشف رعد في تصريحاته للصحافيين، فهل يمكن القول إنّ صفحة الخلاف والتباين، أو بالحدّ الأدنى البرودة، قد طويت عمليًا، وإنّ العلاقة بين "حزب الله" وسلام تجاوزت بالتالي كلّ الألغام؟
مبادرات مهّدت للقاء
لا شكّ في أنّ اللقاء بين وفد كتلة "الوفاء للمقاومة" ورئيس الحكومة لم يكن وليد لحظته، إنما جاء نتيجة وساطات ومبادرات عدّة، دخل على خطّها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون نفسه وفق بعض الأوساط، بعد تصريح النائب محمد رعد من
قصر بعبدا، وقد أثمرت عمليًا خفضًا سريعًا لسقف الخطاب بين الجانبَين، وإن لم تترجَم سريعًا طيًّا للصفحة، وهو ما يرى البعض أنّه كان في انتظار "نضوج" الظروف المناسبة للقاء "الصلحة" بين الجانبين، إن صحّ التعبير.
بعد ذلك، دخل
رئيس مجلس النواب نبيه بري على الخط، مكمّلاً ما بدأه رئيس الجمهورية جوزاف عون، فهو حين أطلق معادلته الشهيرة التي توّجه من خلالها إلى رئيس الحكومة، بالقول: "بتبرّد منبرّد، بتسخّن منسخّن"، لم يكن ينشد التصعيد معه كما فسّر كثيرون، ولا حتى التضامن مع "حزب الله" ضدّ سلام، إنما كان يدعو ضمنًا إلى "التبريد"، وهو ما ترجم عمليًا، بالزيارة التي قام بها رئيس الحكومة إلى عين التينة بعد كلام
بري.
ومن عين التينة، جاءت رسائل سلام "الإيجابية" باتجاه الحزب، المنسَّقة على ما يبدو مع أصحاب المبادرات والقيّمين عليها، لتفتح الطريق أمام اللقاء المُنتظَر، خصوصًا بحديثه عن "مكان كبير" يتركّه للودّ مع النائب محمد رعد، الذي أقرنه بالقول إنّ "أبوابه مفتوحة" له وللحزب،
في المنزل أو السراي، وهو ما سارع رعد لملاقاته بإيجابية، بتوجيهه "الشكر" لرئيس الحكومة على هذا "الودّ"، مع "فرملة" كل الحملات السياسية ضدّه في بيئة الحزب.
هل طويت صفحة الخلاف؟
لا شكّ في أنّ لقاء السراي بين وفد "حزب الله" ورئيس الحكومة من شأنه أن يشكّل "نقطة فارقة" على خطّ العلاقة "الإشكالية" بين الجانبين، التي بدأ الجدل بشأنها منذ لحظة تسمية سلام رئيسًا لمجلس الوزراء خلافًا لرغبة الحزب، مرورًا بالهتافات المسيئة له من جمهور
المقاومة، وليس انتهاءً بعبارة "ما تبقّى من ودّ" التي قالها رعد من قصر
بعبدا، على خلفية مواقف رئيس الحكومة من السلاح وإيران، لكن هل يعني ذلك أنّ صفحة الخلاف قد طويت عمليًا؟
حتى الآن، قد لا يكون من الممكن تقديم إجابة "حاسمة"، إلا أنّ الثابت أنّ "استقرار" العلاقة، ولو بالحدّ الأدنى من "الودّ" هو مصلحة مشتركة للطرفين. فرئيس الحكومة لم يكن ليتحرّك لترميم العلاقة مع الحزب، لو لم يكن مدركًا لأهمية "تصويب" العلاقة مع طرف أساسيّ في حكومته، حتى يتفادى سيناريو "شلل حكومي" هو بالتأكيد آخر ما يريده في هذه المرحلة، أو يتحوّل ربما إلى "الحلقة الأضعف" في "صراع أجندة" بدأ بالظهور داخل حكومته.
وبالتوازي، يدرك "حزب الله" أيضًا أنّ التصعيد مع رئيس الحكومة لا يفيده، وهو الذي يريد أكثر منه أن تتمكّن الحكومة من الإنجاز والإنتاج، بما يتيح له تمرير هذه المرحلة، التي قد تكون "الأقسى" عليه تاريخيًا، بالتي هي أحسن، وهو يدرك تمام الإدراك أنّ ملف إعادة الإعمار الذي يشكّل الهاجس الأول للحزب ولبيئته الحاضنة في هذه المرحلة، يتطلب خطوات جدّية وملموسة من الحكومة، لن تكون ممكنة فيما لو ضربها الشلل، أو عصفت بها الخلافات.
هي المصلحة المشتركة إذًا، التي قرّبت المسافات بين رئيس الحكومة و"حزب الله"، أو أعادت رسم مساحة "الودّ" بينهما، وفق ما يقول العارفون، مصلحة تجلّت في كلمات رعد، حين أكّد حرص حزبه على "التوافق مع جميع المكونات السياسية كي تنهض الحكومة بمسؤولياتها في هذه المرحلة الدقيقة". فهل يكون طيّ صفحة الخلاف خطوة أولى في اتجاه ذلك، أم أنّ العراقيل لا تزال أكبر وأوسع من علاقة موضعيّة هنا أو هناك؟!