قفز ملف النزوح السوري إلى الواجهة مجدّدًا، على وقع الحديث الذي نقلته وكالة "
رويترز" عن وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد، عن استعداد 11 ألف لاجئ سجّلوا أسماءهم للعودة خلال الأسبوع الأول، ضمن خطّة أنجزتها اللجنة الوزاريّة المكلّفة بهذا الملف برئاسة نائب
رئيس مجلس الوزراء طارق متري، كأول خطّة مدعومة من
الأمم المتحدة، تقدّم حوافز ماليّة للنازحين، وتهدف إلى إعادة ما بين 200 إلى 400 ألف لاجئ خلال العام الحالي.
بدوره لفت ممثّل المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في
لبنان إيفو فريسن أنّ الوضع الراهن في
سوريا يمثّل فرصة إيجابيّة لعودة أعداد أكبر من اللاجئين السوريين إلى ديارهم، أو البدء في التفكير في العودة بطريقة واقعيّة ومستمرّة. كلام المفوضيّة بدا مغايرًا لمواقفها السابقة، فهل تخلّت عن مفهومها للعودة الطوعية؟ وهل فعلًا حصّل تحوّل في الموقف الأممي الذي لطالما شكّل عائقًا أمام إعادة النازحين؟ وهل سيتمكّن لبنان من إعادة النازحين بعد انتفاء الذريعة الأمنيّة بسقوط نظام
الأسد؟ والأهم من ذلك، ما هو موقف الإدارة
السورية الجديدة من الطرح اللبناني، هل ستؤمّن حكومة
الشرع لمواطنيها ظروف العودة؟
الخطّّّة الحكوميّة لم تعرض بعد على
مجلس الوزراء، ولم تدخل بالتالي حيز التنفيذ، وفي تعليق على الجزء المتدوال في
وسائل الإعلام على خلفيّة تصريح وزيرة الشؤون الاجتماعيّة، اعتبر المنسق العام للحملة الوطنيّة لاعادة النازحين السوريين مارون الخولي في اتصال مع "
لبنان 24" أنّنا أمام إنجاز وهمي لأسباب عدّة "تحدّثت السيد عن عودة 11 ألف في الدفعة الأولى، وهو رقم خجول جدًا، علمًا أنّهم قاموا باستطلاع خلُص إلى رغبة 400 ألف نازح في العودة، بالتالي كان يفترض أن يبلغ عدد العائدين 100 ألف في الدفعة الأولى، يليه مئة في الدفعات الثلاث اللاحقة في الأشهر المقبلة، وصولًا إل نهاية عمر الحكومة". كما شكّك الخولي بعودة 11 ألف في الأسبوع الأول قائلًا "كل ما نعرفه عن عودة 11 ألف هو ما ذُكر في بيان، أمّا على أرض الواقع فتتطلب عودة 11 ألف شخص ما لا يقل عن 500 حافلة لنقل النازحين والأثاث، فأين هو مشهد قوافل العودة؟ حتّى لو أنّ الرقم صحيح، كيف يتحدّثون عن عودة، وفي الوقت نفسه هناك نزوح يومي إلى لبنان من المعابر غير الشرعيّة، فضلًا عن مئات آلاف السوريين الذين نزحوا بعد سقوط نظام الأسد".
الحكومة الحالية تقبل بالعودة الطوعيّة؟
لطالما تمسّكت المنظّمات الأممية على مدار سنوات النزوح بالعودة الطوعيّة، وهو ما رفضه لبنان كونه غير موقع على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين والبروتوكول الخاص بها عام 1952، والاتفاق الحالي مع المفوضية يكرّس العودة الطوعيّة وفق الخولي "نرفض بشكل قاطع الاتفاقيّة بين الحكومة
اللبنانية والمفوضيّة ونعتبرها فخًّا للبنان، وهي تنص على تأمين وزارة الشؤون الاجتماعية رحلات سياحية إلى مدن وقرى النازحين، وفي حال لم يجد هؤلاء ما يريدونه هناك من حياة وعمل، تتعهّد الحكومة اللبنانية بإعادتهم واستقبالهم،وهؤلاء يعودون بشكل رسمي دون أيّ عوائق. وهو ما نرفضه بشكل كامل ونرى فيه توطينًا مقنّعًا". وعن مدى دقّة هذه المعلومات تحّدى الخولي الحكومة داعياً إياها إلى نشر الخطة أمام الرأي العام، وانكار هذا الاتفاق.
علمًا أنّ
المديرية العامة للأمن العام كانت قد أعلنت عن تقديم تسهيلات إضافية للرعايا السوريين والفلسطينيين اللاجئين في سوريا، سواء دخلوا بصورية شرعية أو غير شرعية ومهما بلغت مدّة مخالفتهم، الراغبين بالمغادرة عبر المراكز الحدودية البرية، دون إستيفاء أي رسوم أو غرامات، ودون إصدار بلاغات منع دخول بحقهم، وذلك إعتبارًا من تاريخ 2025/07/01 لغاية 2025/09/30.
يقول الخولي "هذه خدعة استعملتها الحكومة لتلميع صورتها، وهذا الاتفاق تتحّمل مسؤوليته الحكومة بكل أعضائها وصولا إلى رئيسها، وهناك تواطؤ داخلي من السلطة لإيصالنا إلى هذه الخطّة، التي تدخلنا في نفق العودة الطوعيّة التي رفضناها ورفضها لبنان الرسمي طيلة السنوات السابقة، وفي ظل الحكومة السابقة طوى لبنان ما يعرف بالعودة الطوعيّة، فلماذا تقبل بها اليوم الحكومة الحالية، أليس الحكم استمرارية؟ لاسيّما بعدما سقط النظام وانتفى العامل الأمني ومعه ذريعة العودة الطوعيّة. لذلك يفترض بالحكومة أن تعدّ خطة لإعادة جميع النازحين خلال ستة أشهر، وأن تعمد إلى ترحيلهم أسوة بالدول الغربية التي تلجأ إلى ترحيل المهاجرين قسرًا".
حوافز مالية للعائدين
تترافق عودة النازحين مع حوافز ماديّة أعلنت عنها الوزيرة السيد، بحيث يحصل السوريون العائدون على 100 دولار لكل منهم في لبنان و400 دولار لكل أسرة عند الوصول إلى سوريا، ويتمّ إعفاؤهم من النقل والرسوم. هذه الحوافز غير مشجّعة يقول الخولي "يحصل النازح المغادر على مبلغ 400 دولار عليه لمرّة واحدة، في حين يحصل خلال إقامته في لبنان على مساعدات نقديّة وطبيّة وتعليميّة تصل الى 600 دولار شهريًّا. أمّا مبلغ المئة دولار لكل نازح فسيبدو مغريًا لأسرة مؤلّفة من عشرة أشخاص، بحيث تحصل على ألف دولار لقاء زيارة إلى سوريا، يمكنها أن تعود بعدها إلى لبنان في اليوم التالي، وبشكل شرعي وفق الاتفاق الموقّع مع المفوضيّة. ناهيك عن إخراج العائدين من القوائم السوداء ، وهؤلاء قد يعودوا أدراجهم إلى لبنان، لكلّ ذلك نرى ما يحكى عن خطّة بمثابة إدخال لبنان في متاهة، كمقدّمة لتوطين 500 ألف نازح ".
بالمقابل،
نائب رئيس مجلس الوزراء، طارق متري، كان قد تحدّث عن مغريات للاجئين بهدف حثّهم على العودة، وهي 100 دولار أميركي لكل نازح، إضافةً إلى إعفائهم من غرامات الأمن العام اللبناني نتيجة إقامات منتهية الصلاحية، مع شرط عدم العودة إلى لبنان، واستبعاد الترحيل القسري الجماعي.
ولحسم الجدل حول امكانية العودة إلى لبنان، التي يطرحها الخولي، الحكومة مطالبة بكشف تفاصيل الاتفاق مع المفوضيّة أمام الرأي العام، وعرضه على مجلس النواب لمناقشته وإقراره.
تسعى الحكومة لإنجاز المرحلة الأولى من الخطة قبل انطلاق العام الدراسي الجديد في أيلول المقبل، مع توقّع أن تتراوح أعداد العائدين خلال هذه المرحلة بين 200 و300 ألف. وتنقسم العودة بين منظّمة وغير منظّمة، يتمّ في الأولى تسجيل أسماء اللاجئين وتأمين حافلات لنقلهم إلى الداخل السوري، أما في الثانية فيحدّد كل لاجئ موعد مغادرته وتأمينه وسيلة نقله، مع تقديم البدل المادي والإعفاء من الغرامات للفئتَين.
صمت الحكومة السورية
تلتزم القيادة السورية الصمت حيال عودة النازحين السوريين، وقد حاولت وكالة رويترز أن تأخذ تعليق الحكومة السورية على كلام السيد فلم تحصل على جواب "فكيف يمكن لنا أن نصدّق أنّهم باشروا بقوافل العودة والجانب السوري لا علم له ورفض التعليق؟" يقول الخولي
بالمحصّلة، الوقت المتاح أمام الحكومة لتطبيق خطّتها بدأ يضيق، وفضلًا عن خلل واضح في التواصل مع الجانب السوري، لم تبادر بعد الإدارة السورية الجديدة إلى تهيئة الظروف الحياتية لعودة مواطنيها، من إعادة إعمار القرى والمدن وتأهيل البنى التحتية إلى توفير ظروف العمل، من هنا لا مؤشّرات ملموسة حيال عودة حقيقيّة للنازحين بأعدادهم المليونيّة من لبنان، أمّا الأعداد الخجولة التي تذهب باتجاه بلدها يقابلها دخول أعداد مماثلة.