حط المبعوث الأميركي توم براك في
بيروت أمس، في ظل تصاعد التوترات الأمنية في
سوريا، لا سيما في السويداء، ما يضفي على زيارته بعداً إقليمياً بالغ الحساسية. فبراك، الذي سبق أن أكد استحالة احتواء الوضع في جنوب سوريا من دون وقف العنف وضمان حماية المدنيين، وصل إلى
لبنان في لحظة حرجة، حاملاً رسائل أميركية وضغوطاً تتصل بمستقبل السلاح في لبنان وتطبيق القرار 1701.
إن زيارة براك، التي تشمل لقاءات مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس مجلس النواب
نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام بالإضافة إلى لقاءات سياسية وروحية ودبلوماسية لا تندرج في إطار المراوحة. فواشنطن، بحسب مصادر سياسية مطلعة، تطالب الدولة بموقف واضح ونهائي حول مسألة حصرية السلاح بيد الدولة، وتنتظر التزامات محددة ضمن مهل زمنية، وهو ما يصطدم بتعقيدات الانقسامات في المواقف من المسار التفاوضي.
الرد الذي سيحمله براك من بيروت لن يتضمن أي تنازلات استباقية، بل يؤكد على موقف لبناني ثابت يربط تنفيذ القرار 1701، وأي حديث عن تسليم السلاح، سيكون مرتبطاً بانسحاب إسرائيلي فعلي من النقاط الخمس المحتلة، ووقف الانتهاكات والخروقات المتكررة، بالإضافة إلى تسليم الأسرى وعودة الأهالي إلى بلداتهم الحدودية. وعلى الرغم من أن الرد لا يتضمن مواعيد نهائية، إلا أنه يترك الباب مفتوحاً أمام مسار سياسي مشروط بالتزامات متبادلة.
وتؤكد مصادر رسمية لبنانية أن الورقة الأميركية لا تشكل اتفاقاً جديداً، بل تعد آلية تنفيذية لوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني الماضي، والذي لم تلتزم
إسرائيل به. وهو ما يعكس حرص لبنان على عدم الانخراط في تسوية ثنائية جديدة من دون ضمانات دولية واضحة.
أما
حزب الله، وعلى عكس ما يروج له في بعض الأوساط، فلا يتحرك بمعزل عن التنسيق السياسي مع
رئيس مجلس النواب نبيه بري. غير أن" الحزب"، من خلال مواقف أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، يؤكد أن أي تفاوض يجب أن يتم من موقع قوة لا من موقع ضعف. فقاسم، في كلمته الأخيرة، صعد اللهجة، لكنه لم يغلق الباب أمام الاتفاق، مشدداً على ضرورة الحصول على ضمانات أميركية ملزمة لإسرائيل. واعتبر أن مطلب حصرية السلاح يمثل تهديداً وجودياً لا يمكن التعامل معه خارج إطار استراتيجية دفاعية وطنية تبحث داخلياً، لا عبر ضغوط خارجية.
وفي جلسة مساءلة الحكومة، تساءل النائب علي فياض: "هل يراد لنا أن نقف في العراء، رغم التزامنا بما التزمت به الحكومة وتطبيقنا لقرار وقف إطلاق النار الذي خرقه
الإسرائيلي وتراجع عنه الأميركي؟". وأضاف: "يريدون اتفاقاً جديداً ويتحدثون عن جنوب النهر. كل ما يتجاوز جنوب النهر شأن سيادي نتولاه نحن والحكومة. هذا الضغط المتواصل على الحكومة والعهد لاستفزاز مكوّن لبناني أساسي لن يمر".
يبقى التحدي الأكبر، بحسب مصادر متابعة، هو غياب الثقة بجدية النيات
الإسرائيلية، وبقدرة
واشنطن على إلزام تل أبيب بأي تعهد. فـحزب الله، وفق ما تؤكده المصادر، لا يمكن أن يشعر بالطمأنينة تجاه أي
التزام يأتي من الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً في ظل استمرار
الغارات على لبنان وسوريا، ومساعي إسرائيل لإنشاء منطقة عازلة بقوة السلاح في الجنوب السوري.
ويستخدم هذا العدوان الإسرائيلي، كما تفيد مصادر سياسية، كورقة ضغط لصالح الموقف اللبناني، حيث سيبلغ لبنان الرسمي المبعوث الأميركي أن النموذج السوري، على الرغم من التنازلات التي قدمت فيه، لم يحصن دمشق من الغارات ولا من استمرار الاحتلال، ما يفرض ضرورة الحصول على ضمانات دولية جدية قبل الالتزام بأي خطوات من الجانب اللبناني.
لا شك أن زيارة براك تشكل محطة مفصلية في مسار العلاقة بين بيروت وواشنطن، وسط تسارع التطورات في الإقليم. فالتفاوض الجاري اليوم يتم على صفيح ساخن، وسط تداخل المصالح الدولية والانقسامات المحلية، فيما تبقى الهواجس قائمة من تسوية تفرض على لبنان من دون التزامات مقابلة من إسرائيل. ويبقى التحدي الأساسي أمام رئيس الجمهورية، وفق مصادر سياسية، هو الحفاظ على الحد الأدنى من التماسك الداخلي، مع الانفتاح على الحلول، ولكن من دون التفريط بأوراق القوة التي لا تزال تشكل عامل توازن يحول دون انهيار أكبر في ميزان الردع الحدودي.