Advertisement

لبنان

غزة بين فكّي الابتزاز والتصعيد: قراءة في خطاب ترامب وخيارات تل أبيب

ايناس كريمة Enass Karimeh

|
Lebanon 24
28-07-2025 | 04:00
A-
A+
Doc-P-1397462-638892938433049248.jpeg
Doc-P-1397462-638892938433049248.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
في خضمّ التجاذب الإقليمي والدولي حول مستقبل غزة، اختار الرئيس الاميركي دونالد ترامب أن يضع يده على زناد التصعيد من جديد، عبر تصريحات مباشرة تطالب بالقضاء التام على "حماس". ورغم الطابع الحاد لكلامه، إلا أن التوقيت والسياق لا يتركان شكّاً في أن ما قيل لا يهدف فقط إلى التعبير عن موقف، بل إلى تحريك المشهد السياسي والإعلامي بما يخدم أجندة ضاغطة تتجاوز غزة نفسها.
Advertisement

وتربط مصادر سياسية مطّلعة بين الخطاب العنيف وبين مسار تفاوضي لا يزال قائماً، ما يعزّز فرضية استخدام التهديد العسكري كسلاح ضغط إعلامي ونفسي. فالتصعيد الكلامي، بحسب المصادر، لا يعكس بالضرورة قراراً بتنفيذ عمل عسكري واسع، بل يُقارب كجزء من عملية مدروسة لإعادة تشكيل المشهد التفاوضي وسط ارتباك داخلي وعجز عن الحسم.

ومع ذلك، لا تُستبعد بعض السيناريوهات العملانية من الحسابات الجارية، وخصوصاً تلك التي تدور في كواليس التنسيق الأمني بين واشنطن وتل أبيب. ومن أبرز هذه السيناريوهات، وفق ما تراه المصادر، هي طرح خيار استهداف قادة المقاومة في الخارج، إما عبر الاغتيال المباشر أو عبر الضغط على الدول المضيفة لهم، وهي خطوة تنطوي على مجازفة سياسية وأمنية كبرى يصعب حصر ارتداداتها.

في موازاة ذلك، تبرز فرضية أخرى ترتكز إلى عملية أمنية محدودة تهدف إلى تحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوة، وهو خيار وصفته المصادر بأنه بمثابة انتحار ميداني. فالمعلومات المتقاطعة تشير إلى رفع الجهوزية الميدانية لدى الوحدات المكلّفة بحماية الأسرى، وتفعيل بروتوكولات عمل صارمة تشمل إجراءات رد فوري من دون انتظار، ما يُنذر بأن أي مغامرة من هذا النوع قد تنتهي بتصفية الأسرى لا بتحريرهم. هذه الاستعدادات، وفق المصادر نفسها، لا تستند فقط إلى احتمالات نظرية، بل إلى تقديرات جدّية بوجود نيّة لدى العدو للقيام بعمليات خاصة داخل القطاع، ما دفع الجهات المعنية إلى دعوة المدنيين إلى رصد التحركات المشبوهة والإبلاغ عنها فوراً، في إشارة واضحة إلى أن المشهد مرشّح لتطوّرات أمنية غير تقليدية.

أما الخيار الثالث، والذي جرى تداوله إعلامياً في الايام الاخيرة والمتمثّل باجتياح بري شامل لغزة، فتراه المصادر مجرّد ورقة غير قابلة للصرف. فالمعطيات العسكرية الراهنة تُظهر ضعفاً بنيوياً في الجبهة الداخلية، وتراجعاً في قدرة التعبئة، وتردداً في اتخاذ القرار مقابل إدراك عميق لكلفة المغامرة، سواء من حيث الخسائر البشرية أو الانعكاسات الإقليمية. كل ذلك يجعل من خيار الاجتياح مجرّد فزّاعة يُلوّح بها.

وفي موازاة هذا التصعيد اللفظي، جاء قرار السماح بدخول بعض المساعدات إلى غزة، ليضيف طبقة جديدة من التعقيد في تفسير السلوك الإسرائيلي. فهذا القرار لا يمكن قراءته خارج سياق معركة الصورة والضغط الدولي المتزايد، لكنه في الوقت نفسه ليس تنازلاً حقيقياً، بل خطوة محسوبة تُستخدم لشراء الوقت، وتنفيس الاحتقان العالمي، من دون أن تمسّ بجوهر السياسات العدوانية.

ووفق المصادر، فإنّ هذا القرار لم يأتِ استجابةً لاعتبارات إنسانية، بقدر ما هو محاولة لامتصاص الضغوط الأميركية والأوروبية التي بدأت تعبّر عن انزعاجها من حجم الكارثة وارتدادها الإعلامي على الرأي العام في الغرب. فالإفراج عن جزء من المساعدات، بعد أشهر من الحصار والتجويع، يُقدّم كتنازل شكلي، بينما يستمر الخنق الجماعي بأشكال أخرى؛ استهداف المرافق، تقييد الإغاثة، والتهديد المتكرر بوقفها.

لكن الأهم، بحسب المصادر، أن هذه الخطوة تخدم كذلك الداخل الإسرائيلي. فهي ترسل رسالة مفادها أن تل أبيب لا تزال تمسك بخيوط اللعبة، وهي قادرة على فتح أو إغلاق صمام المساعدات، في محاولة لترويض الغضب الشعبي داخل الكيان، وإظهار نوع من التحكّم في المعادلة، خصوصاً بعد تآكل ثقة الجمهور بقيادته في إدارة ملف الأسرى والتفاوض.

من جهة أخرى، لا يستبعد بعض المراقبين أن يكون هذا القرار متصلاً بتفاهمات غير معلنة مع أطراف إقليمية، تتولى بدورها تهدئة الأجواء تمهيداً لإعادة تفعيل مسار تفاوضي ما، ولو من بوابة إنسانية. بمعنى آخر، قد يكون السماح بدخول المساعدات جزءًا من مسرحية أكبر، تُستثمر إنسانياً لتأطير خيارات سياسية لاحقة، من دون إعلان رسمي أو تغيّر جوهري في الموقف من المقاومة.

بهذا المعنى، لا يعود التهديد أداة ردع في وجه المقاومة، بل يتحوّل إلى وسيلة خنق مدروسة تُستخدم لتطويع المشهد السياسي من فوق الركام، وإغراق ما تبقّى من قرار مستقل في دوامة الابتزاز. والمؤسف أن هذا الأمر يتمّ برعاية دولية لا تجد حرجاً في تحويل الفوضى إلى أداة حكم، والجوع إلى أداة ضغط. أما الأخطر، فهو أن من يُشعل النار لا يبدو معنياً بإخمادها، طالما أن الحريق لا يطال جدرانه، وطالما أن الرماد لا يزال يطال الضحية لا الجلاد.
 
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

ايناس كريمة Enass Karimeh

Lebanese journalist, social media activist and communication enthusiast