أكّد رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع أنّ الاتجاه الذي تسلكه البلاد هو الاتجاه الصحيح، رغم وجود بعض التباطؤ من جهة، وبعض الأخذ والرد غير المجدي من جهة أخرى، مشدداً على أنّ الطريق التي نسير فيه حالياً هو الطريق السليم. وأوضح أنّ "المشكلة هي أن هناك فريقاً أو حزباً في
لبنان وليس طائفة أبداً، أتحدث عن حزب معين هو "
حزب الله" بكل صراحة وبكل وضوح، انتبهوا، من دون أي تنافس سياسي مثلاً، نحن وحزب الله لا يوجد تنافس سياسي ولا في أي مكان بالمعنى الدقيق للكلمة، إذا هناك حزب وحيد اسمه "حزب الله"، يتّبع منطقاً مغايراً تماماً، ويتحدّث بلغة لا يفهمها الآخرون، كما أنّه بدوره لا يفهم لغة معظم اللبنانيين. وقال: " هذه ليست وجهة نظر "القوات" فقط، بل إنّ 75% من اللبنانيين لا يريدون هذا الواقع المفروض، لكن الحزب متمسّك به ومصرّ عليه".
كلام جعجع جاء خلال العشاء السنوي لإذاعة "لبنان الحر"، الذي أقيم في المقر العام للحزب في معراب، في حضور، النواب: فادي كرم، بيار بو عاصي وإيلي خوري، عضو الهيئة التنفيذيّة النائب السابق إدي ابي اللمع،
الأمين العام إميل مكرزل، الأمناء المساعدين: لشؤون الإنتشار النائب السابق عماد واكيم، لشؤون المصالح نبيل ابو جودة ولشؤون الإدارة رفيق شاهين، مستشاري رئيس الحزب فادي ظريفة وأنطوان مراد، منسق منطقة البترون بول حرب، رئيس جهاز الإعلام والتواصل شارل جبور، رئيس مصلحة رجال الأعمال في الحزب الياس كرم، رئيسة مصلحة الصيادلة في الحزب ريما فضول، المدير العام الإذاعة شربل عازار، مديرة المكتب الإعلامي لرئيس الحزب أنطوانيت جعجع، رئيس تحرير الإذاعة إيلي حرب، رئيسة لجنة الأنشطة في الحزب فانيسا سعيد، رجل الأعمال جو فضول، الكاتبة منى طايع، وحشد من الإعلاميين.
وأشار جعجع إلى أنّ حزب الله، بعد أن أخّر لبنان مئة عام إلى الوراء، يعيد إلى الذاكرة التصريح
الإسرائيلي القديم الذي قال فيه مسؤولون إسرائيليون إنّهم يريدون إعادة لبنان ثلاثين أو خمسين سنة إلى الوراء في حال تعرّضوا لأيّ أذى من الأراضي
اللبنانية، وقال جعجع إنّه لو كان باستطاعته التصريح آنذاك لقال للإسرائيليين: لا تتعبوا أنفسكم، فلدينا حزب الله وقد أعادنا مئة سنة إلى الوراء. أضاف: "حزب الله، بوجوده وطريقة تصرّفه، أعاد لبنان فعلياً إلى الوراء مئة سنة، إن لم يكن أكثر". ولفت إلى أنّه منذ ثلاثين سنة لا توجد حياة سياسية فعلية في لبنان، فالدولة تتصرّف كأنّها بلدية، لا تتخذ أي قرار استراتيجي، لا أمني ولا عسكري ولا اقتصادي، ومنذ العام 1990 إلى العام 2005 الجميع يعلم كم من الخيرات حتى على المستوى الاقتصادي ذهبت من لبنان إلى
سوريا، ومن كان يشارك في هذا الخلل، ومن غطاه، ومن مهد له".
وتطرّق جعجع إلى ما سميّ "حرب الإسناد"، مؤكداً أنّه حصل ما كنا نقوله دائماً من أن هذه الحرب لن تفيد غزة، وستُلحق أضراراً كبيرة بلبنان. وقال: " بعد كل ما وصلنا إليه، انتهت هذه الشعارات كلها. رئيس الجمهورية في خطابه الأخير قال "طارت الأوهام مع عدد الضحايا الذين سقطوا في الحرب الأخيرة". لماذا هذه الحرب؟ منذ اللحظة الأولى نقول لهم هذه الحرب لن تفيد غزة وستضر بلبنان كثيراً. ومن جهة ثانية، أنتم ليس لديكم الحق في شن الحرب، الوحيد الذي لديه الحق هي الحكومة اللبنانية التي لها ان تأخذ قراراً في الحرب أو في السلم، أنتم ليس لديكم الحق، ولكنهم ضربوا بعرض الحائط كل هذا من دون اعتبار لأحد، ويتحدثون كأنهم كل لبنان. لا، أنتم جزء عزيز وكريم من لبنان ولكن لستم كل لبنان. ثلاثة أرباع اللبنانيين لا يريدون هذا. وأنا أخبركم بالفعل وبالصراحة لا يريدون هذا".
أضاف أنّ حزب الله مصرّ على هذا المسار، وفي كلّ ساعة يطلّ علينا بشيء جديد، لاسيمل متى اشتدّت عليه الضغوط، وبرزت حقيقة تراجع تأثيره على المستوى الديمقراطي، "ويلجأ إلى وسائل إعلامه وآخرها كان "أن جنبلاط وجعجع نسيوا الخامس من أيار"، لا يا شباب، لم ننس الخامس من أيار ولا لحظة أبداً، ونحن موجودون كلّ ساعة وكلّ وقت. ولكن لأننا لا نريد أن يحدث ذلك، لا نريد ميليشيات مرة أخرى، لا نريد هذا المنطق مجدداً. ومن هنا سنكمل كما نحن حتى نصل إلى دولة فعلية في لبنان". وتابع متحدثاً عن أسلوب التعاطي السياسي، مشيراً إلى أنّ التعامل يجب أن يكون وفق طبيعة الطرف المقابل، فإذا كان المقابل آدمياً، وجب التعامل معه بآدمية، وإذا كان ناعماً، فبنعومة، وإذا كان مهذّباً، فبتهذيب، ولكن إذا كان وقحاً، فيجب مواجهته بوضوح، وقول الحقيقة في وجهه. وأوضح أنّه في بعض الأحيان، لا بد من كسر أسلوب النعومة، ورفع الصوت لمواجهة من يزوّر الوقائع ويستخدم منطقاً مقلوباً، ولإبلاغه بصراحة: كفى، دعنا وشأننا، نريد أن نبني دولة ونصنع مستقبلاً لنا ولأولادنا.
ورفض جعجع الذريعة القائلة بأنّ حزب الله لا يستطيع التخلي عن سلاحه طالما أنّ
إسرائيل ما زالت موجودة في الجنوب، معتبراً أنّ هذه الحجة تضرب نفسها بنفسها، لأنّ إسرائيل إنّما جاءت إلى الجنوب بسبب السلاح والحروب التي خاضها الحزب. وأكّد أنّ بعض اللبنانيين يحاولون إقناع الناس بأوهام، كأن يروّجوا لفكرة أنّ إسرائيل كانت ستحتل لبنان لولا مواجهتهم لها، مشدداً على ضرورة التحدّث بصراحة بعيداً عن التهويل.
وتابع جعجع: "شتان ما بين الحديث عن أن اسرائيل كان ستحتل لبنان حتى لو لم يقم حزب الله بمهاجمتها، وبين ما تنقضه جميع الدراسات الصادرة عن مختلف مراكز الدراسات والبحوث الدوليّة. اما الكلام على ان إسرائيل تقوم بتهجير
الفلسطينيين من غزة، فهذا الأمر يحصل فعلاً أمام أعيننا، ولكن عمليا اسرائيل لا تريد احتلال لبنان، ليس لأنها آدميّة وجيّدة، بل لأنّ ذلك ليس ضمن استراتيجيتها حالياً". واستغرب أن يستند البعض إلى نصوص دينية، كالتلمود، للحديث عن نوايا إسرائيل، وسأل: من يطبّق التلمود أو الإنجيل أو القرآن كما هو؟ الدول تتعامل مع الواقع، وتحلّ مشكلاتها عبر مراكز الدراسات والحوار، ولا توجد أي جهة بحثية معتبرة تقول إنّ إسرائيل تريد احتلال لبنان.
وتابع جعجع أنّ حزب الله يدّعي أنّ سلاحه هو الذي سيُخرج إسرائيل من الجنوب، في حين أنّ هذا السلاح هو من جلبها، وأضاف أنّ أيّ أمل بخروج إسرائيل من الجنوب يجب أن يتمّ عبر أدوات أخرى، لأنّ سلاح الحزب أثبت فشله الذريع. وأعرب عن أسفه لدمار عشرات القرى في الجنوب، قائلاً إنّها لا تزال مدمّرة منذ عام تقريباً، فيما يتهمون الدولة بالتقصير، بينما في الحقيقة لم تُتح لها الفرصة للعمل، إذ لم تُمنح القرار الاستراتيجي المطلوب.
واعتبر جعجع أنّ حزب الله يرتكب مغالطتين خطيرتين، الأولى دستورية، حيث لا يحقّ له التدخل في شؤون الدولة أو فرض شروط عليها. وشدّد على أنّ هناك مؤسسات دستورية منتخبة هي المخوّلة وحدها اتخاذ القرارات، وأنّ حزب الله ليس وصياً على لبنان، ولا يحقّ له فرض أجندته على الدولة.
أما المغالطة الثانية، فهي الاعتقاد بأنّ السلاح هو السبيل الوحيد لإخراج إسرائيل، بينما هذا السلاح هو سبب الكارثة، وهو لا يقدر على تحقيق أيّ نتائج فعلية. وتوجّه جعجع إلى حزب الله قائلاً: "فكّ عنّا قليلاً لكي نخلّصك أنت". وذكّر بأنّ إسرائيل لا تُواجَه بسلاح عاجز، بل بموقف وطني جامع تقوده الدولة اللبنانية.
ورفض المقارنة بين ما يحدث وبين افتراضات خيالية لأخطار غير موجودة على أرض الواقع الفعلي، وهذه الإفتراضات الخياليّة التي نسمعها هي كأن يُقال يجب على موارنة لبنان التسلّح لأنّ هناك خطراً آتيااً من قبرص عليهم بسبب وجود أغلبية أورثوذكسية هناك مدعومة من اليونان من خلفها
روسيا، وبالتالي من الممكن في
المستقبل أن تحدث "حرب صليبيّة" عكسيّة وبالتالي يجب على الموارنة التسلح من اليوم، وهذه النظريّة مشابهة تماماً للقول أيضا إن هناك خطرا على لبنان من الأغلبيّة السنيّة في سوريا، هذه كلها أوهام بأوهام لا أساس لها من الصحّة.