Advertisement

لبنان

خمس سنوات... ونحن "شباب لبنان" المنكوبون بحياتنا

جاد حكيم - Jad Hakim

|
Lebanon 24
04-08-2025 | 14:00
A-
A+
Doc-P-1400592-638899327675571119.png
Doc-P-1400592-638899327675571119.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
أنا شاب لبناني... لا أبحث عن شفقتكم، ولا أطلب عطفًا من أحد. فقط أكتب هذه الكلمات لأنني لا أستطيع أن أصرخ. لأن صوتي لا يُسمع في بلدٍ انفجرت فيه العاصمة ولم يسقط فيه مسؤول واحد. أكتب لأننا اليوم نحيي الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، وأنا ما زلت أحاول أن أُرمّم شيئًا من نفسي... من وطني... من جيلٍ لم يعش يومًا طبيعيًا واحدًا.
Advertisement

في 4 آب 2020، كنّا نحاول أن نتنفس تحت الرماد. كنا نكتم الغضب، نلملم أشلاء أملٍ لم يُخلق أصلًا. انفجر المرفأ، سقط أكثر من 200 شهيد، وارتجف البلد كلّه، إلا الطبقة الحاكمة. أما نحن، فارتعدنا من الداخل، وانهار فينا شيءٌ لا يُرمم.

لكن القصة لا تبدأ من هنا... بل تبدأ منذ ولدنا في بلد كل ما فيه مؤقت: الكهرباء، الأمل، العدالة، وحتى الحياة. أنا من جيلٍ لا يعرف شيئًا عن الاستقرار، جيل يعيش منذ طفولته على وعودٍ بالحد الأدنى، فكبر ليكتشف أن الحد الأدنى هو حلم بعيد.

أنظر إلى أصدقائي في دول عربية أخرى. بعضهم يخطط لمستقبله، يشتري منزلاً، يسافر، يعشق، ينجح، يفشل ويعود. أما نحن؟ نحلم بالخروج من هنا. لا نطلب كثيرًا، فقط أن نشعر أننا أحياء. في لبنان، كل شيء يُطفئ فيك الحياة. الأسعار، الإهانات، الذلّ، الهجرة القسرية، وحتى الغصّة اليومية عند سماع خبر جديد عن شهيد سقط في الجنوب، أو أبٍ باع سيارته ليعلّم أولاده.

أكتب اليوم باسم آلاف الشباب اللبنانيين الذين يشعرون أنهم وُلدوا في الزمن الخطأ والمكان الخطأ. لا لأن لبنان لا يستحق الحياة، بل لأن من يحكمه يصرّ على قتله مرارًا وتكرارًا. بلدٌ يسكنه الجمال والجنون، وتحكمه قسوة لا تُطاق. قسوة لا تقف عند حدود السياسة، بل تسحق يومياتنا، طموحاتنا، وحتى صداقاتنا التي فرّقتها المطارات.

أنا من جيل تعلّم أن يهرب، لا أن يبقى. أن يحجز تذكرة، لا موعدًا مع الطبيب. أن يرسل سيرة ذاتية إلى كندا، لا إلى شركة لبنانية. من جيل إذا عشق خاف أن يبني علاقة، لأن الحياة في هذا البلد لا تُبنى. من جيل يرى صور أصدقائه في باريس ودبي وعمان ويبتسم... لكن بعيون دامعة. من جيل فقدَ شقيقًا في الانفجار، أو صديقًا على جبهة الجنوب، أو حلمًا عند أبواب السفارات.

اليوم، في الذكرى الخامسة لانفجار بيروت، لا أريد أن أضع ورودًا على الرصيف... أريد أن أزرع دولة. لا أريد دقيقة صمت... أريد صرخة لا تتوقف. أريد قضاءً لا يخاف. وأريد مسؤولين يخجلون من وجوههم عندما ينظرون إلى صور الأطفال الذين استشهدوا. أريد أن أستعيد حقي في الحياة... لا أكثر.

لقد هُزِمنا كثيرًا، نعم، لكننا لم نستسلم. ولأننا لم نستسلم، سنبقى نكتب، ونشهد، ونقول الحقيقة، حتى يأتي اليوم الذي يُحاسب فيه من فجّرنا، ومن سرقنا، ومن هجّرنا، ومن أوصلنا إلى هذا البؤس.

نحن جيل المعجزات الصغيرة. نُكمل دراستنا رغم كل شيء. نُحبّ رغم الدمار. ونحلم رغم الركام. فهل من يسمعنا؟
 
المصدر: خاص لبنان24
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

 
إشترك

جاد حكيم - Jad Hakim