نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي "INSS" تقريراً جديداً تحدث فيه عن التحدي الكبير الذي تواجهه إسرائيل خلال حربها في قطاع غزة والمُتمثل بالقتال تحت الأرض في ظل وجود شبكة أنفاق واسعة لحركة "حماس".
ويقول التقرير الذي ترجمهُ
"لبنان24" إن طول أمد الحملة في قطاع غزة، وصعوبة تحقيق نتيجة حاسمة، والحجم الهائل للقوات
الإسرائيلية المشاركة، كلها عوامل تنبع مباشرةً من التحدي السري الفريد في هذه الساحة، وأضاف: "لكل ذلك تداعيات كبيرة، ليس فقط على الوضع الراهن للحرب في قطاع غزة، بل أيضاً على الوضع الذي سينشأ بعد الحرب".
واستكمل: "من المُعترف به على نطاق واسع أن عدم استعداد الجيش الإسرائيلي للتحدي تحت الأرض في قطاع غزة كان أحد أكبر إخفاقاته قبل الحرب واثناءها بعدما اندلعت في 7 تشرين الأول 2023. لقد أثبتت حملة إسرائيل التي استهدفت شبكة أنفاق حماس والبنية التحتية لها خلال عملية حارس الأسوار في أيار 2021 في النهاية أنها أقل فعالية بكثير مما تم الاحتفال به في البداية".
وتابع: "رداً على أنفاق حماس الهجومية في الأراضي الإسرائيلية، قامت إسرائيل ببناء جدار تحت الأرض على طول الحدود بتكلفة هائلة، ومع ذلك لم يمنع هذا هجوم حماس فوق الأرض. مع هذا، فإنَّ الجيش الإسرائيلي لم يستعد لغزو قطاع غزة، ولا لمواجهة أنفاق حماس الدفاعية تحت الأرض التي تُمثل جوهر العقيدة العسكرية للمنظمة. كذلك، لم تصمد التكتيكات والوسائل التي أعدَّها الجيش الإسرائيلي في الاختبار".
وأردف: "مع بداية الحرب، قُدِّر طول الأنفاق تحت الأرض في غزة بما يتراوح بين 500 و600 كيلومتر، وقد ربطت هذه الأنفاق كل منشآت حماس العسكرية ومقراتها ومرافقها في كل أنحاء قطاع غزة، كذلك ربطتها بآلاف الأنفاق المؤدية إلى مواقع قتالية داخل المباني في المناطق الحضرية، بالإضافة إلى مواقع تُستخدم لإطلاق الصواريخ على إسرائيل. ونظراً للمخاطر التي ينطوي عليها تطهير الأنفاق، فإن العملية بطيئة، ويتطلب تدميرها كميات هائلة من المتفجرات ووسائل متخصصة أخرى. وأمام ذلك، لا يزال الجيش الإسرائيلي بعيداً عن إكمال مهمة تطهير الشبكة بأكملها وتدميرها، وكل هذا معروف".
واستكمل: "كل ذلك يقودنا إلى التداعيات الاستراتيجية لظاهرة الحفر تحت الأرض في غزة. فعلياً، فإنَّ الظروف الفريدة لقطاع غزة في هذا السياق معروفة جيداً، فالطبيعة الرملية الناعمة للأرض هناك تسمح بسهولة نسبية للحفر تحت الأرض، على عكس تضاريس الحجر الجيري الصلبة في
لبنان والضفة الغربية. ونتيجة لذلك، اتسمت عمليات الجيش الإسرائيلي في هذه المناطق بطابع مختلف تماماً".
التقرير قال إنه "في لبنان، كان استخدام
حزب الله للبنية التحتية الجوفية أكثر محدودية بكثير"، وأضاف: "لقد حفر حزب الله أنفاقاً هجومية إلى داخل إسرائيل (دُمر معظمها في كانون الأول 2018 – كانون الثاني 2019) وزرع مستودعات صواريخ ومستودعات ذخيرة وورش إنتاج ومراكز قيادة عليا في مواقع محفورة تحت الأرض".
واستكمل: "غالباً ما كانت مواقع الحزب التكتيكية ونقاط الإمداد وتجميع القوات، داخل القرى وخارجها في جنوب لبنان، محفورة أيضاً في الصخور. ومع ذلك، وبعيداً عن هذه المواقع التكتيكية، كانت معظم أنظمة حزب الله الجوفية الاستراتيجية محدودة في الموقع والنطاق، وكانت معروفة إلى حد كبير للمخابرات الإسرائيلية. ونتيجة لذلك، عندما بدأت المرحلة الهجومية من الحملة ضد حزب الله في أيلول 2024، دمر سلاح الجو الإسرائيلي معظم هذه الأنظمة في غضون ساعات وأيام وبضعة أسابيع. وبالمثل، تم
القضاء على مستويات القيادة التكتيكية لحزب الله بشكل شامل إما في مواقعها العملياتية أو أثناء تحركها فوق الأرض".
وقال: "خلال عام حرب الاستنزاف الذي سبق الهجوم الإسرائيلي الشامل في
الشمال، عملت قوات خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي على كشف مخابئ وأنفاق حزب الله في جنوب لبنان وتدميرها. ومع ذلك، مع اشتداد الحملة، اقتصر دور القوات البرية في الغالب على تطهير المناطق على طول الحدود. وهكذا، تحقق فوز عسكري حاسم على الساحة
اللبنانية بسرعة نسبية، لا سيما من خلال الجمع بين القوة الجوية والاستخبارات، ضد خصم يُعتبر على نطاق واسع أقوى وأخطر من حماس".
وتابع: "في الواقع، تنبع الحملة المطولة في قطاع غزة، التي تقترب الآن من عامين، بشكل حاسم من تحدي المجال السري. فإلى جانب مسألة الرهائن، التي تُقيّد عمليات الجيش الإسرائيلي بشكل كبير، تُمكّن المساحة الشاسعة تحت الأرض في قطاع غزة حماس من الاحتماء والاختباء والاختفاء. ومن هناك، تنبثق وحدات حرب العصابات الصغيرة التابعة لحماس من أنفاق خفية مدفونة داخل المشهد الحضري المبني أو المُهدم، وتنصب الكمائن، وتُطلق صواريخ آر بي جي، وتنشر أو تُلصق العبوات الناسفة".
وأكمل: "رغم كل الخبرة والمهارات التي اكتسبها الجيش الإسرائيلي في هذا المجال، لا توجد حالياً طريقة بسيطة وعملية لتحييد هذا النمط من الحرب. علاوة على ذلك، لا يعكس طول أمد القتال في قطاع غزة هذا التحدي فحسب، بل يعكس أيضاً صعوبة تحقيق نتيجة حاسمة والحجم الهائل للقوات المطلوبة - بما في ذلك الألوية والفرق النظامية والاحتياطية. ينبع هذا بشكل مباشر من القدرة المحدودة على مواجهة التهديد السري. وفي غياب حل فعال، لم يعد أمام الجيش الإسرائيلي خيار سوى إغراق المنطقة بأعداد كبيرة من القوات والتقدم ببطء ومنهجية باعتباره المسار الافتراضي للعمل".
وختم: "هكذا، فإن طول مدة الحملة في قطاع غزة، والصعوبة في تحقيق نتيجة حاسمة، والحجم الهائل للقوات المشاركة، كل هذا ينبع مباشرة من التحدي تحت الأرض المرتبط بالأنفاق".