تشخص عيون اللبنانيين إلى جلسة
مجلس الوزراء اليوم، التي تُعتبر محطة أساسية ورئيسية في الحياة السياسية
اللبنانية، وذلك نظرًا إلى أن ما يمكن أن يصدر عنها من قرارات ترسم، بطريقة أو بأخرى، مسار المرحلة المقبلة بما فيها من تحّولات قد تكون إيجابية في حال تمّ التوصّل إلى صيغة مقبولة، لبنانيًا وأميركيًا، لملف تسليم سلاح "
حزب الله" إلى الدولة، أو تكون سلبية في حال عدم تمكّن الحكومة من اتخاذ القرار السياسي المناسب. وفي كلا الحالتين، فإن اللبنانيين يضعون أيديهم على قلوبهم في انتظار ما ستسفر عنه جلسة اليوم في ضوء السيناريوهات المتوقعة لما ستكون عليه وضعية وزراء "
الثنائي الشيعي" خلال هذه الجلسة، وربما قبل انعقادها.
فاليوم تدخل الحكومة في اختبار بالغ الحساسية، وهي تضع على طاولة البحث والتشريح ملفًا شائكًا لا يزال يشكّل محور انقسام سياسي مزمن. ونسأل مع السائلين: هل تملك هذه الحكومة فعلاً القدرة، أو هل لديها حتى النيّة، على الذهاب بهذا الملف نحو قرارات عملية وجريئة؟
الوقائع حتى الساعة، وقبل ساعات من الموعد المحدّد لانعقادها، لا توحي بذلك. فالمعادلة اللبنانية الراهنة لا تزال أسيرة التجاذب السياسي والطائفي، حيث يُصنّف السلاح إما "مقاومة مشروعة" وإمّا "سلاحًا غير شرعي"، بحسب موقع كل طرف سياسي في المعادلات الدولية والاقليمية. وفي ظل ميزان قوى يميل إلى التوازن السلبي، يُستبعد أن تخرج الجلسة بقرارات تنفيذية حقيقية، بل من المرجح أن تُكتفى الحكومة بإنتاج صياغات فضفاضة تحاول فيها إرضاء الداخل والخارج على السواء، من دون أن تُغضب أحدًا أو تُلزم نفسها بشيء.
من هنا، تُطرح بجدية فرضية إحالة الملف على
المجلس الأعلى للدفاع، بصفته صاحب الاختصاص، كوسيلة لا بدّ منها لتبريد الصراع السياسي، ونقله من الحلبة السياسية الساخنة إلى الحلبة التقنية البحتة، والتي يرى فيها البعض أنها أكثر انضباطًا. غير أن المجلس الأعلى للدفاع، بتركيبته ومرجعيته، وكما هو معروف، لا يملك القرار السياسي، بل يطبّق ما يُتفق عليه في السياسة. وهذا يعني أن إحالة الملف عليه، وإن بدت خطوة منظمة، لن تكون إلا ترحيلًا مؤقتًا للمشكلة وكسبًا لمزيد من الوقت، وليس من باب الحرص على معالجة هذه المعضلة في شكل جذري وممنهج.
ومن بين السيناريوهات المتوقعة وغير المستبعدة سيناريو آخر من خلال تشكيل لجنة وزارية – أمنية تنكبّ على دراسة واقع السلاح المنتشر خارج إطار المؤسسات الشرعية. لكن هذا الطرح لا يعدو كونه، في نظر بعض المتشدّدين، إعادة تدوير لزوايا مسنّنة وحادّة، مع أن الجميع مقتنعون بأن اللجان هي عادة مقبرة لأي مشروع، خصوصًا أن التجارب السابقة أثبتت في غالبيتها أن اللجوء إلى هكذا حلول سيؤول إلى مزيد من تضييع الوقت والفرص. فطالما أن مصير السلاح الذي يتجاوز وظائف الدولة لن يُحسم، فإن الحديث عن "ضبط السلاح المتفلت" سيبقى مجرّد مسكّن موضعي يُراد به تهدئة الخارج، وبالأخصّ الجانب الأميركي، أو امتصاص نقمة الداخل.
وفي ظل غياب التوافق الوطني والغطاء الإقليمي فإن اتخاذ قرار واضح بحصر السلاح غير الشرعي في يد القوى الشرعية هو أقرب إلى التمنيات من أي حلّ سياسي جذري. وهذا ما يجعل الإقدام على خطوة كهذه أشبه بإشعال فتيل نزاع داخلي لا يملك أي من الأطراف السياسية، وحتى المتشدّدة منها، تحمّل ما يمكن أن ينتج عنه.
وفي المحصلة يمكن القول بأن جلسة اليوم هي أقرب إلى وسيلة لإدارة الأزمة لا إيجاد حلّ لها، وذلك سواء أخرجت بإحالة الملف على المجلس الأعلى للدفاع، أو من خلال إصدار توصيات تشبه إلى حدّ ما البيانات الوزارية السابقة، أو حتى عبر صياغات إنشائية، فإن ذلك لن يغيّر في واقع المعادلة الشيء الكثير. وإذا لم يُتخذ قرار سياسي كبير يكون بمستوى التحدّيات الإقليمية، والذي من شأنه وضع حدّ نهائي لتعدد "ولاءات" السلاح، وتكريس سيادة الدولة كخيار نهائي وليس كشعارات مرحلية وظرفية، فإن البلاد مقبلة على الأرجح على تطورات مقلقة، وقد تكون خطيرة جدًّا.
فجلسة اليوم هي اختبار جدّي للنوايا وليست مجرد اختبار لقدرات محدودة الفاعلية.