ليس جديداً ما أعلنهُ "
حزب الله" في بيانه، أمس الأربعاء، عن رفضه الالتزام بقرار الحكومة القاضي بحصر السلاح بيد الدولة. كان الخطاب بلهجة حادّة، وأكد أنه سيتعامل مع الأمر وكأنه غيرُ موجود، ما يعني أخذ موقفٍ آحادي مُضاد للحكومة ولعهد رئيس الجمهورية
جوزاف عون بشكل عام.
في الواقع، يعدّ موقف الحزبُ بديهياً من الناحية الفعلية، لكن قرار الحكومة وتنفيذه من قبل الجيش قد يتخذ أشكالاً عديدة ومختلفة، جميعها في جوهرها تمثل حلاً "غير صدامي".
من الناحية العملية، بات الجيشُ مُلزماً اليوم بوضع خطة لما تمت تسميته "حصر السلاح بيد الدولة" وتنفيذ مقتضيات تلك الخطة بناء لقرار الحكومة. إن تمّ التدقيق بالعبارة المذكورة، أي "حصر السلاح"، فإنها لم تحدد "فقط" الترسانة الخاصة بـ"حزب الله"، بل تحدثت عن "حصر السلاح بشكلٍ عام" ومن ضمنها سلاح الأخير، أي الحزب وغيره من الأحزاب الأخرى، لكنها في الوقت نفسه لم تعتمد عبارة "نزع السلاح".
وعليه، فإن الخطة المُنتظرة من الجيش ستُبنى على عنوان عريض وهو "حصر السلاح"، على أن تتفرع ضمنها عناوين أخرى تنص على أكثر من خارطة طريق ستعتمد الدولة كل واحدة منها للتعامل مع أي حالة مسلحة بشكلٍ منفصل، إما من خلال "نزع السلاح" أو "حصر السلاح".
على صعيد "النزع"، فإن هذه العبارة تعني تجريد الطرف المُسلح من كل ترسانته العسكرية وتسليمها للدولة. هذا المصطلح (نزع) جرى ربطُه بالمخيمات
الفلسطينية، فالدولة تسعى لـ"نزع السلاح" هناك، وخطتها الأمنية لهذا الأمر تختلفُ تماماً عن الخطة المرتبطة بالحزب، والتي "قد" تكونُ قائمة على أكثر من خارطة طريق.
هنا، تقولُ مصادر سياسية لـ"
لبنان24" إنَّ هناك طروحات عديدة تم الحديث عنها، قد تكون أساسية لمعالجة ملف سلاح "الحزب" ومنها "حصر إمرة استخدام السلاح بيد الجيش"، "حصر إدارة مستودعات السلاح التابعة للحزب بالجيش".
عملياً، فإن هذا المُقترح طُرح أيضاً بشأن ملف السلاح الفلسطيني، حيث تم التحديث خلال الشهرين الماضيين عن إمكانية جعل سلاح حركة "فتح" تحت إمرة الجيش في مستودعاته، وبالتالي تطبيق جوهر هذا السيناريو على سلاح "الحزب".
من الناحية الفعلية، فإن ملف ترسانة "حزب الله" يختلفُ عن ترسانة أي تنظيم أو حزب آخر لديه سلاح، ما يعني أن التعاطي معه سيكون مُختلفاً على قاعدة "إدارته" وجعله تحت سلطة الدولة من خلال "حصر قرار استخدامه بها". على هذا الأساس، يجبُ أن يُبنى الحوار بين الدولة و "حزب الله" للوصول إلى صيغة مشتركة تحفظ
لبنان وتجعل الدولة هي صاحبة القرار بُغية الوصول إلى استراتيجية دفاعيّة تكون بدايتها "حصر السلاح".
قد يكونُ الكلام المذكور بمثابة "نواة" أو طرح يُجنب البلاد صدامات أمنية وتوترات مسلحة، ذلك أن كل طرفٍ يرى أنه "مُستهدف". ومثلما قام الجيش بنزع سلاح "حزب الله" في منطقة جنوب الليطاني من خلال قيام الأخير بتسليم مستودعات للمؤسسة العسكرية هناك، الأمر نفسه يمكن أن يتكرر في مناطق أخرى من خلال "حصر السلاح" بها. وبذلك، تصبح سلطة الدولة كاملة على منطقة جنوب الليطاني بعد تجريدها من السلاح، فيما معالجة الترسانة المتبقية بدءاً من جنوب الليطاني ونحو كل لبنان، ستخضع لمنطق "الحصر" وبالتالي امتلاك الدولة قرار الحرب والسلم وحدها وليس "حزب الله".
أمام كل هذا، قد تخرج أصوات مُعترضة على أي خارطة طريق من هذا النوع خصوصاً أنَّ أي "التفاف" على قرار "حصر السلاح" يبقى وارداً في حال جاء وفق ترتيبات لبنانية. عند هذه النقطة، تبرز خشية من أن يقوم "حزب الله" بالالتفاف على أي قرار في حال وافق عليه، مثلما حصل بعد حرب
تموز عام 2006 حينما عزز وجوده في منطقة جنوب الليطاني بعكس مضمون القرار الأممي 1701. لهذا السبب، فإنَّ أي معالجة لبنانية لملف السلاح يجب أن تعتمد على أمرين وهما الوضوح والتنفيذ الواضح، وهذا ما تركز عليه الدول المعنية بالملف اللبناني التي تُراقب أي خطوة ستنفذها
بيروت وتقوم بتقييمها.. فهل سنصل حقاً إلى صيغة مقبولة يرضى بها الحزب والدولة معاً ونجنب لبنان منعطفاً خطيراً أم أننا سنكون أمام استحقاق أمني خطير يُدخل البلاد في متاهات لا تُحمد عقباها؟