قال
لبنان كلمته. قالها لـ "
حزب الله. وقالها للموفد الأميركي توم برّاك. لم "يلعب" من تحت الطاولة، بل كشف أوراقه أمام العالم كله. وما لم يتضمّنه قرار الحكومة بحصر كل سلاح غير شرعي بيد القوى
اللبنانية الشرعية أبلغه إلى الثناني برّاك – اورتاغوس.
يوم قرّرت الحكومة أن تشرب "حليب السباع" كانت تعرف أن "حزب الله" لن يقدّم إلى الدولة سلاحه "على باب المستريحة". وعلى رغم معرفتها بما ستكون عليه ردّة فعل "حارة حريك" أقدمت، وأصرّت على ألاّ يكون على الساحة اللبنانية من الناقورة جنوبًا حتى النهر الكبير شمالًا، ومن الساحل إلى السلسلة الشرقية، بندقية غير بندقية القوى المكّلفة وحدها دون سواها الحفاظ على أمن المواطنين أيًّا تكن انتماءاتهم الحزبية والطائفية، وهي القادرة على أن تردّ العدوان عن أهالي الجنوب كما عن أهالي
الشمال والبقاع، سواء أكان مصدره العدو
الإسرائيلي أو ما يُعرف بالمتطرفين الموجودين في
سوريا.
وكانت هذه الحكومة تعرف أيضًا أن "حزب الله" سيجد نفسه تحت مجهر المراقبة، داخليًا وخارجيًا، في حال قابلت
إسرائيل خطوة لبنان بخطوة أخرى. فإذا سحبت جيشها من التلال الخمس المحتلة فإن "الحزب" المتمسّك بسلاحه بحجّة تحرير ما تبقّى من الأراضي المحتلة لن يجدّ حينذاك ما يكفيه من المبررات لإبقاء أصبعه على الزناد، والإصرار على الاحتفاظ بسلاحه، الذي مدّته به
إيران لمقارعة إسرائيل وإنهاء كل أنواع الاحتلالات.
إلاّ أن إسرائيل، على ما يؤكده أكثر من مصدر ديبلوماسي غربي، لن تتجاوب مع المطالب اللبنانية، التي حملها معه كل من برّاك واورتاغوس. وستجد لنفسها ألف عذر لعدم التجاوب مع مطلب انسحابها من التلال الخمس. وقد يكون من بين المبررات، التي ستعطيها تل أبيب لبرّاك واورتاغوس، أنها غير واثقة من أن الحكومة اللبنانية بقواها الذاتية قادرة على تجميع سلاح "حزب الله"، الذي لا يزال يرفض هذا الأمر بكل ما لديه من وسائل تعطيلية. وقد يكون من بين هذه الوسائل التلويح بعصى "الحرب الأهلية"، التي كانت حروفها نافرة في خطاب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، والتي هدّد بافتعال مثل هذه الحرب "إذا لزم الأمر".
وعندما ترفض إسرائيل الانسحاب من التلال اللبنانية الخمس فإن "حزب الله" سيقابل هذا الرفض برفض أكبر، وهو الذي اشترط إعطاءه ضمانات أميركية وأوروبية بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي ووقف اعتداءاته المتواصلة على أهداف تقع ضمن الأراضي اللبنانية. فإذا لم تبادر إسرائيل وتنسحب من كل شبر تحتله في الجنوب فإن "حزب الله" لن يسلّم حتى "العويسية" أو "النقافة".
وبين الرفض الإسرائيلي ورفض "حزب الله" يضيع "الحانا والمانا" بمفهومه الشرعي، وبالتالي لما تمثّله الحكومة من شرعية مستمدة من الدستور، ومن ثقة مجلس النواب، الذي أعطاها إياها على أساس بيانها الوزاري المتضمّن حتمية "مصادرة" قرار "الحرب والسلم" من يد "
المقاومة الإسلامية"، وحصر السلاح بالقوى العسكرية اللبنانية دون غيرها من قوى استفادت من تغييب دور
الدولة على مدى سنوات.
فإذا كانت إسرائيل ترفض أن تقابل لبنان، ولو كلاميًا، بخطوة مماثلة لما اتخذته الحكومة من قرار في جلسة 5 آب بحجّة عدم ثقتها بقدرات الدولة اللبنانية على تنفيذ ما سبق لها أن قررته؛ وإذا كان "حزب الله" مصرًّا على عدم تسليم سلاحه قبل أن تنسحب إسرائيل من كل شبر لا تزال تحتّله، وقبل أن تعيد الاسرى والمفقودين، وقبل أن توقف اعتداءاتها واستهدافاتها اليومية، فإن الوضع السياسي في لبنان سيبقى يراوح مكانه، وستبدأ الدولة بمؤسساتها الشرعية تفقد تدريجيًا بعضًا من هيبة كانت قد استعادتها في جلستي 5 و7 آب الجاري.
وقد يكون في الرفضين غير المنسقين بالطبع ما يدعو إلى التساؤل عمّا إذا كان المقصود "زرك" السلطة اللبنانية في الزاوية الأميركية بعد أن تكون خيوط اللعبة قد خرجت من دائرة سيطرتها الذاتية.
وبهذه العلامة يمكن القول بأن "حزب الله" ربط مصيره بما لم يقصده بمصير الانسحابات
الإسرائيلية، فيكون بالتالي أداء هذه السلطة "مدوزنًا" على إيقاع "التناغم" غير المعلن وغير المقصود بين "الحزب" وإسرائيل على ضرب ما تبقى من أمل لعودة الحياة إلى دولة مفكّكة الأوصال.