لا شكّ أنَّ "
حزب الله" يقفُ أمام اختبار صعب جداً يتصلُ ببيئته، فالوضع الذي وصل إليه من خسائر عسكرية وسياسية تجعل الكثيرين يعيدون النظر بسياساته، لكن ذلك لا يعني القبول بما تريده
إسرائيل أو التسليم بمخططاتها.
في الأصل، فإن منطق "العداء" لإسرائيل لا يُمكن شطبه من ذهن شريحة واسعة من اللبنانيين، فالمسألةُ راسخة وبديهية ولا تحتاجُ إلى جدال أو نقاش. فعلياً، ومنذ نشوء "حزب الله" في ثمانينيات القرن الماضي، قاتل اللبنانيون إسرائيل وفتحوا نيرانهم عليها، ولم يستسلموا لها، والشواهد التاريخية بارزة وحاضرة.
لهذا، لا يمكن لـ"حزب الله" نكران كل ذلك. في الأصل، كان خلاف "الحزب" مع الآخرين ضمن البيئة
الشيعية وغيرها هو بسبب"اختزاله" للمقاومة والقول إنه القوة الوحيدة التي استطاعت تحرير
لبنان. أما اليوم، فإن هذا الخطاب لم يعد سارياً، وأول من سيناقش ويُجادل به هو بيئة "حزب الله" نفسها التي باتت ترى أن "الحزب" تراجع حقاً وبات يسير بين الألغام المتفجرة للحفاظ على وضعه أو على وجوده حتى سياسياً.
قد تكونُ بيئة "حزب الله" أيقنت تماماً أن الظروف تبدلت، ولهذا السبب باتت تُعيد النظر بكل المرحلة الحالية. الحديثُ عن التمسك بالسلاح في ظلّ
الاحتلال الإسرائيلي الذي نهش أراضٍ جديدة من لبنان إلى جانب النقاط الـ5 بالإضافة إلى انسحاب "حزب الله" من منطقة جنوب الليطاني ناهيك عن استمرار الضربات
الإسرائيلية وغيرها من الخروقات فضلاً عن إقرار حصرية السلاح بيد الدولة، كلها عوامل تدفع ابن بيئة "حزب الله" للتساؤل: ماذا بقيَ إذاً؟ إذا كانت كل العوامل ضدنا، فلماذا المُكابرة ومن أجل من؟
فعلياً، مسار الحديث هذا يطغى على أفكار الكثيرين، فهم يطرحون هذا التساؤل فعلياً، لكن المسألة لا تعني استسلاماً شعبياً بقدر ما هي "صحوة" مطلوبة لجعل قيادة "حزب الله" تلتزم بالمسار الصحيح المطلوب وتقوية الدولة.
اليوم، وبعد كل الخسائر التي تلقاها "الحزب"، باتت مسألة المغامرة بأي حربٍ جديدة نواة لـ"انقلاب" في شارع "حزب الله". فعلياً، فإنّ فتح أي جبهة سيزيد الضغط على البيئة الشيعية أكثر فأكثر، في حين أن حركة "أمل" ستواجه الضغط نفسه مع بيئتها وشعبها، الأمر الذي سيؤدي إلى نسف كل ما تم بناؤه منذ اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024.
في عمق البيئة الشيعية، ستظهر بعض الأصوات المؤيدة لفتح الحرب، لكن أوساط البيئة لا تتحدث إلا عن فكرة تسعى إليها الدولة، وهي عدم اتخاذ "حزب الله" قرار الحرب والسلم وبالتالي اسناد هذا الأمر إلى الدولة. المسألة هذه طرحها
الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم
قاسم في خطابه الأخير، ما يشير إلى أن التحول الكبير في الموقف والاتجاه بات راسخاً، وهذا ما على البيئة فهمه بشكلٍ واضح وثابت.
أمام كل ذلك، يبدو واضحاً أن بيئة "حزب الله" تحاول اللجوء إلى أيّ حدث يعطيها نفساً إيجابياً للترويج له. أبسط دليل على ذلك هو الوقفة التي نفذتها نسوة من بلدة الخيام، الأربعاء، احتجاجاً على زيارة الموفد الأميركي توماس براك إلى المنطقة، علماً أنه جرى إلغاء تلك الجولة التي نُفذ منها فقط زيارة إلى ثكنة الشهيد فرنسوا الحاج في
مرجعيون.
ما حصل في الخيام دفع الكثيرين للتأكيد على وجود "حزب الله" في عمق الجنوب. المسألة هذه تعتبر انتصاراً معنوياً، وإن تم تسليم السلاح أو التفاوض على ملفه بالحد الأدنى، فإن "حزب الله" يحتاج لإيجاد الإجابات المقنعة لجمهوره.. فإذا نجح يكون قد اعاد تكريس نفيه بقوة ، وإن فشل في إقناعهم، عندها ستكون نواة التغيير في بيئة "الحزب" كبيرة جداً.