حمل خطاب الرئيس
نبيه بري امس في مضمونه رسالة أساسية وواضحة، وهي أن حركة أمل تقف إلى جانب
حزب الله من دون أي تمايز بين الطرفين، لا في الموقف السياسي ولا في الحسابات الاستراتيجية.
بري أراد أن يقول إن ما يتعرض له الشيعة في
لبنان، سواء من مقاربات الخارج أو في السجالات الداخلية، يجعلهم صفًا واحدًا متماسكًا، وأن أي محاولة للفصل بين حركة أمل وحزب الله غير واردة في المرحلة الحالية.
هذه الرسالة لم تكن مجرد موقف عابر، بل بدت بمثابة تثبيت لقاعدة سياسية يعتمد عليها بري في مقاربة المرحلة المقبلة. فهو يدرك أن أي انقسام على الساحة الشيعية سيُترجم مباشرة ضعفًا في المفاوضات مع الخارج، وتراجعًا في ميزان القوى بالداخل. لذلك جاء خطابه ليغلق الباب أمام كل الرهانات التي بنيت على إمكان إيجاد مسافة فاصلة بينه وبين حزب الله، وليؤكد أن الأولوية في هذه المرحلة تبقى لحماية الطائفة في وجه التحديات الإقليمية والدولية.
من وجهة نظر بري، فإن مسألة التمايز عن حزب الله ليست مطروحة إلا على قاعدة واحدة، وهي توفير ضمانات حقيقية لحماية الشيعة. وفي هذا السياق، أوحى بري أن تقديم
إسرائيل تنازلات ملموسة، والتزامها الصريح بوقف إطلاق النار، قد يشكل مدخلًا لنقاش جدّي حول مستقبل السلاح وإمكان صياغة معادلة جديدة له. غير أن ما ألمّح إليه أيضًا هو أن غياب هذه الضمانات يعني بقاء التمسك بالسلاح خيارًا استراتيجيًا لا يقل تشددًا عما يعبّر عنه حزب الله.
ومع ذلك، حرص
بري على إبقاء باب الحوار مفتوحًا، فخطابه لم يكن مجرد إعلان للتشدد، بل تضمن أيضًا إشارات إلى التهدئة وإمكان البحث عن حلول عبر القنوات السياسية الداخلية. لكن في الوقت نفسه، لا يبدو أن هذا الباب سيؤدي إلى نتائج سريعة أو محسومة، خصوصًا في ظل تصلب المواقف وتناقض الحسابات بين الداخل والخارج.
بهذا المعنى، يمكن القول إن خطاب بري جاء ليحسم موقع حركة أمل في المعادلة الحالية، ويؤكد أنها تتحرك ضمن خط استراتيجي واحد مع حزب الله، لكنه في الوقت ذاته لم يغلق الطريق أمام أي حلول مستقبلية، بل وضع شروطًا واضحة تجعل أي تفاوض مرتبطًا بتحولات كبرى، تبدأ من وقف الاعتداءات
الإسرائيلية وتنتهي ببحث جدي في صيغة السلاح ودوره. وبين هذا وذاك، يبقى خطاب بري إشارة إلى أن المشهد اللبناني مرشح لمزيد من التوتر، حتى لو ظلّت نوافذ الحوار قائمة.