Advertisement

لبنان

جنودٌ على خطّ النار… ورواتب على مسار الانهيار

بولين أبو شقرا - Pauline Abou Chakra

|
Lebanon 24
02-09-2025 | 09:00
A-
A+
Doc-P-1411848-638924020218315561.jpg
Doc-P-1411848-638924020218315561.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
ليس في روزنامة الجندي يومٌ "عادي". بعد كل جولة قصف، تبدأ الجبهة التي لا يراها أحد: جرافاتٌ بطيئة، فرق تفتيش، وعيونٌ تبحث في التراب عمّا تركته حربٌ لا تنتهي. في الأسابيع الأخيرة سقط شهداء للجيش خلال تمشيط مناطق حدودية من مخلفاتٍ حربية إسرائيلية، ألغامٌ وذخائر عنقودية وشراك مخفية، لتذكّر بأن انتهاء النيران لا يعني انتهاء الخطر. المأساة هنا مزدوجة: مهمات عالية المخاطر تُنفَّذ بروح الانضباط نفسها، فيما جيوب العناصر تعود مساءً إلى أعباء معيشية لا تُحتمل.
Advertisement
أزمة البلاد صبّت أثقالها كاملةً على المؤسسة العسكرية. الرواتب التي تراجَعَت قيمتُها الفعلية خلال الانهيار، لم تعد تكفي لتأمين الحدّ الأدنى من السكن والنقل والغذاء، حتى مع الزيادات والتقديمات الموضعية التي جرى اعتمادها. بدل المخاطر لا يوازي طبيعة المخاطر، والتعويضات المتأخرة تُحوَّل في السوق إلى أسعار وقودٍ وسلالٍ غذائية تتبدّل أسبوعيًا. كثيرون من العسكريين يقطعون مسافات طويلة على نفقتهم لمناوباتِ ليل ونهار، قبل أن يعودوا إلى عائلاتٍ تُدبّر معيشتها بدَينٍ صغير عند البقال أو بتحويلٍ ينتظرونه من قريبٍ مغترب.
في مقابل هذا المشهد، تخرج إلى العلن أرقامٌ "خيالية" عن معاشاتٍ لكبار المديرين في مؤسسات عامةٍ أو شبه عامةٍ يتقاضى بعضُهم عشرات آلاف الدولارات شهريًا. المقارنة ليست للتحريض بل لوضع السؤال في مكانه: أيُّ عقدٍ اجتماعيٍ هذا الذي يطالب الجنودَ بواجبٍ كامل تحت الخطر، ويمنح في الوقت نفسه امتيازاتٍ مفرطة لقلّةٍ لا تواجه في عملها ما يواجهه شاويش فصيلةٍ على طريقٍ حدودي؟ العدالة ليست شعارًا أخلاقيًا فحسب؛ هي شرطٌ لاستدامة الأمن. عندما يشعر الجندي أن الدولة أنصفته، أجرًا وحمايةً وكرامة، فإنه يذهب إلى الميدان أخفَّ قلبًا وأصلب عزمًا. وعندما يرى فوارق لا تُفسَّر، تتصدّع الثقة من حيث لا نرى.
الجيش، وسط ذلك، يحافظ على ما يقدر عليه: ضبطُ الحدود بموارد محدودة، تدخلاتٌ سريعة عند الكوارث، تفكيكُ قذائف ومحاولةُ منع كارثةٍ جديدة. لكن قدرة أي مؤسسة أمنية على البقاء فاعلة لا تُقاس بالشجاعة وحدها. هناك لوجستيات لا بدّ منها: صيانةُ عتاد، محروقات، طبابةٌ لائقة، تدريب دوري، وحوافز تحُدّ من الاستنزاف والتهريب البشري نحو سوق العمل الخارجي. الدعم الخارجي، بالعتاد أو المساعدات الغذائية، لا يُلامس أصل المعضلة إن لم تُستعد منظومة أجرٍ واضحة وعادلة، تُدفع في مواعيدها وبعملةٍ ومؤشرٍ يحفظان قيمة العمل. اللافت أن كلفة تصحيح رواتب الجنود، قياسًا بما يُنفق في قطاعاتٍ أخرى وبما يُسرَّب من هدرٍ معروف، ليست مستحيلة. هي قرارٌ سياسي أولًا. كما أن ضبط التعويضات العليا في المؤسسات العامة ووضع سقوفٍ شفافة لها ليس "حربًا طبقية"، بل إعادة الميزان الاجتماعي إلى نصابه.. فمن يرابط ليلًا على طريقٍ مزروعٍ بمخلفات حربٍ يجب أن يكون أولَ من تصله يدُ الدولة لا آخره.

المعادلة الأمنية اليوم دقيقة.. إسرائيل تُخلّف وراءها حقلَ موتٍ مؤجّلًا، والجيش يمشي فيه كل يوم كي لا يمشي فيه المدنيون. أن يُطالَب الجنودُ بإتمام المهمة على أكمل وجه مفهومٌ ومشروع، لكنّ أن يُترَكوا تحت سقفٍ معيشي لا يليق بتضحياتهم فذلك تقصيرٌ أخلاقي قبل أن يكون خللًا ماليًا. الكرامة هنا ليست كلمةً كبيرة؛ هي معاشٌ يكفي آخر الشهر، وطبابةٌ تليق بمصابٍ في مهمة، وسكنٌ يحمي عائلةً تنتظر..
ما يعانيه الجيش، وما يزال يعانيه لا يمكن أن يتم السكوت عنه أكثر.. فإلى أي مدى يستطيع هؤلاء التحمل أكثر، وسط المهام التي تزداد يوما بعد يوم، بالتوازي مع التطورات السياسية التي تتبدل ثانية وراء أخرى داخل البلاد؟ وأين هي الوعود التي لا تزال تتوالى منذ سنوات وسنوات على شاكلة شعارات وأشعار لا أكثر. ما يحصل لا يمكن السكوت عنه أكثر، والتحرك اليوم لانصاف هؤلاء بات واجبًا، لا بل أقل الواجب تجاه ما يقدمونه وما يضحون به...
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

بولين أبو شقرا - Pauline Abou Chakra