مع الغلاء المعيشي وارتفاع أسعار الأثاث الجديد في
لبنان، بات بيع وشراء الأثاث المستعمل جزءًا أساسيًا من حياة الناس اليومية. لم يعد هذا السلوك مجرد خيار اقتصادي فحسب، بل أصبح أيضًا انعكاسًا لقدرة اللبنانيين على التكيّف مع الظروف الصعبة وإعادة تدوير الموارد بطرق عملية وذكية.
اليوم، تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما صفحات "
فيسبوك ماركت بليس" ومجموعات "
واتساب"، إلى أسواق افتراضية حقيقية. يمكن أن تجد فيها كل ما يخطر في البال: من أسرّة للأطفال، إلى كراسٍ للصالون، وطاولات طعام، وصولًا إلى فرش نوم. المدهش أنّ كثيرًا من هذه القطع تكون بحالة جيدة أو شبه جديدة، لأن أصحابها إمّا يستعدون للسفر والهجرة، أو يقومون بتجديد منازلهم.
هذه الظاهرة لا تقتصر على فئة محدّدة. فالطلاب الجامعيون الذين يبحثون عن تجهيز غرف صغيرة، والأسر التي ترغب في التوفير لتغطية مصاريف أخرى، وحتى محبّو العثور على قطع نادرة أو مميّزة، جميعهم باتوا جزءًا من هذا السوق. وكثيرون ينظرون إلى عملية الشراء على أنّها أشبه بـ"صيد ثمين"، حيث يمكن بلمسة بسيطة أن تتحوّل قطعة قديمة إلى شيء عصري ومميز.
لكن لهذه الظاهرة تحدّيات أيضًا، أبرزها أنّ بعض القطع قد تحتاج إلى تصليحات، أو أنّ عملية النقل تكلّف كثيرًا وتحتاج إلى جهد، فضلًا عن غياب أي ضمان يوفّره السوق التقليدي.
ومع ذلك، يظل خيار الأثاث المستعمل أقل كلفة وأكثر واقعية من شراء الجديد. في منطقة البسطة، تجد "سوق الانتيكا" لم يعد للأنتيكا فقط، فتجد محالًّا تجمع الأثاث المستعمل من البيوت، تعيد تنظيفه وترتيبه، ثم تعرضه للبيع بشكل منظم ومرتب. وهكذا نشأ نوع من "الاقتصاد البديل" القائم على الاستهلاك الذكي وإعادة التدوير.
إذًا لم تعد قصة الأثاث المستعمل في لبنان مجرد بيع وشراء، بل هي صورة حيّة عن قدرة اللبنانيين على تحويل الأزمات إلى فرص، وإيجاد حلول مبتكرة تجعل من كل قطعة قديمة بداية جديدة لحياة مختلفة.