يعاني "
التيار الوطني الحر" في المرحلة الراهنة من أزمة عميقة قد تتحول إلى العامل الأكثر تأثيرًا في مسار حركته السياسية خلال الفترة المقبلة. هذه الأزمة ليست مرتبطة فقط بالخطاب أو الأداء السياسي، بل تتجسد بشكل مباشر في مسألة التحالفات، التي تشكّل عصب أي معركة انتخابية أو سياسية في
لبنان. فالمعادلة باتت واضحة: "
التيار" مقبل على استحقاقات مصيرية من دون شبكة أمان سياسية، وهو ما يضع مستقبله أمام اختبار قاسٍ.
يحاول رئيس "التيار" الوزير
جبران باسيل أن يوحي بالمرونة والانفتاح في مواقفه، ساعيًا إلى إظهار نفسه بموقع الوسطي
القادر على بناء جسور مع مختلف الأطراف. لكن الواقع السياسي يكشف عكس ذلك، إذ يواجه
باسيل جدارًا من الرفض المتواصل من خصومه على الساحة المسيحية، لا سيما الأحزاب والقوى التي تتخذ موقفًا معارضًا ل"
حزب الله". هذه القوى ترى أن أي تقاطع مع "التيار" لن يفيدها، بل على العكس تعتبر أن إضعافه وإنهاء حالته السياسية يخدم طموحاتها
الانتخابية على نحو أفضل.
من جهة أخرى، خسر "التيار" بشكل كامل الرضى السني الذي كان قد يؤمن له بعض التوازن في المعارك السياسية. هذا التراجع لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة تراكم سنوات من الصدامات والخطابات، إلى جانب التحولات التي أصابت الشارع السني بعد تعليق "
تيار المستقبل" عمله السياسي. واليوم، يجد باسيل نفسه أمام فراغ في هذه الساحة، من دون أي قوة
سنية حقيقية تضع يدها بيده أو تمنحه غطاء انتخابيًا.
أما على خط العلاقة مع "حزب الله"، الحليف التقليدي والأكثر ثباتًا في السنوات الماضية، فالمشهد لا يبدو أفضل حالًا. فالمؤشرات تفيد بأن الحزب ليس في وارد إعادة تكرار تجربة التحالف الانتخابي السابقة، بل على العكس، يتجه إلى استعادة المقاعد التي منحها للتيار في ظل القانون النسبي. هذا التحول سيشكّل ضربة قاسية لباسيل، إذ يفقد "التيار" بذلك آخر سند أساسي في معركته، ويتحول من شريك إلى طرف معزول يواجه التحديات منفردًا.
في ضوء ذلك، تبدو الانتخابات النيابية المقبلة محطة شديدة الصعوبة على "
التيار الوطني الحر". فغياب التحالفات، مقرونًا بتراجع شعبيته في معظم المناطق المسيحية، يعني أن حضوره السياسي برمته مهدد. ليس الأمر مجرد خسارة مقاعد هنا أو هناك، بل احتمال أن يتعرض التيار لانتكاسة تعيد خلط أوراقه وتضعه أمام خيارين أحلاهما مر: إما القبول بانكماش كبير في حجمه السياسي، وإما تقديم تنازلات كبرى بالسياسة.
الواقع أن "التيار" يقف اليوم عند مفترق طرق حاسم. وإذا لم يتمكن من إعادة ترميم شبكة تحالفاته وتقديم خطاب أكثر إقناعًا للرأي العام، فإن حضوره كقوة سياسية وازنة قد يصبح جزءًا من الماضي القريب، لا من مستقبل المعادلة
اللبنانية.