Advertisement

لبنان

قرارات بلا مخالب في مواجهة مشروع "إسرائيل الكبرى"!

جاد الحاج - Jad El Hajj

|
Lebanon 24
13-09-2025 | 04:00
A-
A+
Doc-P-1416361-638933556468462042.webp
Doc-P-1416361-638933556468462042.webp photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية لافتة على مشروع قرار يؤيد "إعلان نيويورك" حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث أيّدت 142 دولة، فيما رفضت 12 وامتنعت 10 عن التصويت. هذا الرقم بحدّ ذاته يعكس ميزاناً سياسياً وأخلاقياً مهمّاً، ويؤكّد أنّ الغالبية الساحقة من المجتمع الدولي باتت ترى في الاعتراف بالدولة الفلسطينية مساراً مشروعاً وضرورياً. لكن هذه النتيجة، على أهميتها، تفتح الباب أمام سؤال ملحّ: ما هي مفاعيل القرارات الأممية حين تواجهها حكومة إسرائيلية لم تعد تتورّع عن المجاهرة بمشروعها التوسعي، فتعلن من على منبر الأمم المتحدة خرائطها العلنية التي تلغي فلسطين وحدودها، وتضع المنطقة كلّها أمام مشروع "إسرائيل الكبرى"
Advertisement

التجربة الطويلة مع قرارات الأمم المتحدة تجعل من الصعب الركون إلى النصوص وحدها. فمنذ النكبة حتى اليوم، عشرات القرارات صدرت، لكن لم يجرؤ أحد على إلزام إسرائيل بها، وخصوصاً في ظلّ الفيتو الأميركي الذي يحوّل كل محاولة إلى ورق بلا مخالب. هذا الواقع هو ما يمنح نتنياهو جرأة مضاعفة؛ فهو لا يكتفي بتجاهل المجتمع الدولي، بل يتصرّف وكأنّ الأمم المتحدة مجرّد منصة شكلية لا وزن لها، يعلو عليها من خلال خرائطه وخطاباته ليقول للعالم إنّ القانون الدولي لا يعنيه في شيء.

غير أنّ هذا التعنّت لا يلغي حقيقة أنّ إسرائيل تدخل أكثر فأكثر في دائرة عزلة دولية واضحة، فمشهد التصويت الأخير لم يكن تفصيلاً عابراً بل تراكم متواصل يُظهر أنّ الغالبية الساحقة من الدول لم تعد قادرة على تغطية جرائم الاحتلال. واللافت أنّ الخطأ الأكبر الذي ارتكبته إسرائيل تمثّل في استهدافها العلني لقطر، إذ بدت وكأنّها تتجاوز معركتها التقليدية مع الفلسطينيين لتفتح مواجهة مع دولة عربية لها حضور سياسي واقتصادي وديبلوماسي في أكثر من ساحة، وترتبط بعلاقات متشابكة مع الغرب، من الطاقة والغاز إلى القواعد العسكرية. هذا السلوك لم يضعف موقع قطر كما توهّم قادة الاحتلال، بل وسّع دائرة المواجهة ضدّهم، وأعطى الانطباع بأنّ إسرائيل باتت في حالة عداء مع كل من يعترض على سياساتها، ما سرّع في تحويلها إلى عبء على حلفائها بدل أن تكون ورقة قوة بيدهم. وهكذا تحوّل الاستهداف إلى خطأ استراتيجي إضافي عمّق من عزلتها وكشفها أكثر أمام الرأي العام العالمي.

أما على الصعيد العربي، فقد جاءت خطابات وزراء الخارجية في مجلس الأمن محمولة على الأسلوب التقليدي ذاته: لهجة رصينة، لغة ديبلوماسية متوازنة، ورسائل مباشرة ضد الاحتلال. ورغم أنّ هذه المواقف لم تتحوّل بعد إلى خطوات عملية توازي حجم التحدي، إلّا أنّها تبقى ذات أهمية في تثبيت الموقف الرسمي العربي، ولا سيما حين تتقاطع مع تأييد دولي واسع ومع حالة تضامن شعبي تتعاظم يوماً بعد يوم. والتحدي هنا أنّ إسرائيل تراهن دائماً على الفصل بين الشارع العربي والقرار الرسمي، غير أنّ التقاء الاثنين يشكّل عنصر ضغط لا يمكن تجاهله، حتى لو لم تظهر نتائجه سريعاً في الميدان.

في المقابل، فإنّ الدول التي رفضت القرار، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ليست قوى عابرة، بل هي اللاعب الرئيسي في صياغة خرائط المنطقة، ولذلك فإنّ رفضها لا يمكن اعتباره تفصيلاً إجرائياً بل يُقرأ كترجمة مباشرة لمشروع جيوسياسي يرسم المنطقة وفق ميزان المصالح الأميركية والإسرائيلية، وبمعزل تام عن إرادة الشعوب. وهنا تحديداً تكمن خطورة المشهد، إذ إنّ الأغلبية تقول نعم، فيما الأقلية الممسكة بمفاتيح القوة تصرّ على الرفض، الأمر الذي يحوّل الانتصار العددي إلى مواجهة غير متكافئة على أرض الواقع.

مع ذلك، لا يمكن التقليل من قيمة هذا التراكم الدولي. فصورة إسرائيل كدولة "طبيعية" في المجتمع الدولي تتآكل يوماً بعد يوم، وما كان يُسوَّق له كإجماع غربي لم يعد مقنعاً أمام الرأي العام العالمي. والأهم أنّ القضية الفلسطينية تحوّلت إلى معيار أخلاقي عالمي، من مدريد إلى عواصم أميركا اللاتينية، حيث تتقدّم حركات المقاطعة وتتصاعد المطالبات بفرض عقوبات. هذه التحركات تكشف أنّ الصراع لم يعد محصوراً في قاعات التفاوض، بل انتقل إلى وعي الشعوب، وهو ما لا تستطيع إسرائيل ولا داعموها السيطرة عليه.

في المحصلة، لا تكفي القرارات وحدها لإسقاط مشروع "إسرائيل الكبرى"، ولا الخطابات وحدها قادرة على حماية الفلسطينيين من آلة القتل والحصار. لكنّ التقاء العزلة الدولية المتزايدة، مع تضامن شعبي متصاعد، ومع موقف عربي رسمي ولو بحدوده الحالية، يرسم صورة جديدة: إسرائيل أكثر عزلة، وأكثر عجزاً عن تسويق نفسها كدولة طبيعية. والسؤال يبقى مطروحاً: إلى أي مدى يمكن لهذه العناصر أن تتراكم لتتحوّل إلى قوة ضاغطة تفرض وقائع جديدة، بدل أن تبقى مجرّد نصوص تُقرأ في القاعات وتُصفّق لها الشعوب من بعيد؟
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

جاد الحاج - Jad El Hajj