شكّلت الجولة الثانية الواسعة التي قام بها أمس البطريرك الماروني
مار بشارة بطرس الراعي إلى الجنوب بدءاً برعية صور، اختراقاً حقيقياً للأجواء المشدودة، إن من خلال الدلالات الإيجابية التي أشاعتها جولته على بلدات
مسيحية وشيعية ومختلطة من سائر الطوائف، وإن عبر العظة والكلمات التي ألقاها متضمنة مواقف متقدمة في التعاطف مع أبناء الجنوب وإظهار أولوية مكانة الجنوب وطنياً والتشديد على دور الجيش حصانة وحيدة للبنان، بحسب ما كتبت"النهار".
جولة البطريرك الراعي شملت أمس "القليعة الصّامدة" و"البلدات العزيزة" الجرمق والعيشيّة وإبل السقي وكوكبا وجديدة مرجعيون، والنبطية والكفور، وكفروه، والحجة والعدوسية.
وفي عظته من القليعة، قال البطريرك: "أحيّيكم جميعاً، أنتم الآتون من هذه البلدات وسواها من الجنوب العزيز، الأرض المباركة، أرض الكرامة والحريّة. وقد عانيتم من الاعتداءات والحروب والتّعديات الإسرائيليّة على أرضكم وبيوتكم وأرزاقكم. أحيّيكم لأنّكم صمدتم وحافظتم على جذوركم، وأثبتّم أنَّ الجنوب ليس أرض نزاع، بل أرض خصب وبركة، أرض عيش مشترك، أرض وطنيّة صادقة، وأرض سلام".
وقال: "نحيّي إخواننا من الطائفة الشيعيّة الكريمة، أبناء هذه الأرض المباركة، شركاءنا في المصير والوطن الذين بوجودهم وصمودهم يشكّلون مع إخوانهم المسيحيّين والسّنّة والدّروز شهادة حيّة للتّعايش والكرامة في جنوبي
لبنان ويكتبون تاريخاً واحداً من العيش معاً والصّمود".
وأضاف الراعي: "نحن نتأمّل السّلام القريب، سلاماً يترسّخ بانسحاب
إسرائيل من الجنوب بشكل كامل ونهائي، وبسط الدولة اللبنانيّة سيادتها الشّرعيّة على كامل أراضيها. وهنا، لا بدّ أن نؤكّد أنَّ
الجيش اللبناني، بعنفوانه وهيبته، هو الضمانة والحصانة الوحيدة لأرضنا ولشعبنا، وهو المؤتمن على حماية حدودنا والدفاع عن كرامتنا. إنّ انتشار الجيش على كامل أرض الجنوب ليس فقط مطلباً، بل هو حق سيادي وواجب وطني". وشدد على أن "الجنوب ليس مجرّد منطقة من لبنان، بل هو قلبه النابض. فما يعيشه الجنوب يعيشه كل لبنان، ولقد حان الوقت أن تتحوّل تضحياتكم إلى ثمار وطنية سياسيّة واقتصاديّة وإنمائيّة". ولفت إلى أن "بقاء الجنوب قويّاً ومحصّناً هو ضمانة لبقاء لبنان. وإنّ تعزيز صمود أهله هو واجب وطني وأخلاقي. فإنّ مسؤوليتنا جميعاً، مواطنين ومسؤولين وسياسيّين ومؤسّسات، أن نتكاتف من أجل إعادة بناء لبنان على أسس متينة: سيادة لا مساومة عليها، دولة قانون قويّة، اقتصاد منتج يثبّت الناس في أرضهم ويؤمّن لهم هناء العيش وتربية روحيّة ووطنيّة تُخرّج أجيالًا جديدة تحب لبنان وتخدمه بصدق".
وليس بعيداً من هذا الموقف اعتبر ميتروبوليت
بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده بدوره، "أننا مدعوون أن نثبت في حب وطننا وأن نعمل من أجل خلاصه، محترمين دستوره وصائنين هيبته وسلطته ومكانته، غير متعدين على قراراته أو خارجين على قوانينه أو محملينه وزر أخطائنا". وتابع في عظته: "اللبنانيون مدعوون للعيش معاً في رعاية دولة قوية وعادلة، ضمن الاحترام المتبادل وقبول الآخر وعدم السخرية منه أو استفزازه أو كيل الشتائم له. كما أنهم مدعوون إلى أن يكونوا لبنانيين قبل أن يكونوا من هذه الطائفة أو تلك، وأن يبتعدوا عن التعصب والتطرف والتبعية والتحريض والتشبث بالرأي". وأشار إلى أنه "مهما قست الظروف واسودت الآفاق، إنَّ ثبتنا على الأمانة لوطننا والرجاء بالرب، ووضعنا ثقتنا به، لا بد أن يمد يده لانتشالنا من الغرق، أو دعوتنا إلى القيام بما يراه مناسباً لنا".