كتب جوني منيّر في" الجمهورية": ما إن اكتملت شروط نجاح مبادرة ترامب، حتى نفّذت
إسرائيل ضربة جوية نوعية في المصيلح في جنوب
لبنان. وهذا الإعتداء الجوي شرّع الأسئلة حول «اليوم التالي» بعد غزة وفق ما يخطط له نتنياهو. والعدوان الجوي جاء مفعماً بالرسائل البليغة، والتي أراد نتنياهو توجيهها إلى لبنان. فالضربة الجوية جاءت من خلال المقاتلات الحربية وليس المسيّرات. والمقصود هنا إطلاق صواريخ كبيرة ذات قدرة تدميرية كبيرة وليس صواريخ صغيرة قدرتها التدميرية تكون عادة محدودة. وهنا تأتي الرسالة الأولى، بأنّ إسرائيل لن تكتفي بالنمط الحاصل حالياً، أي إغتيالات يومية عبر المسيّرات، لا بل بأنّ اللغة التدميرية لا تزال واردة.
والرسالة الثانية تدعو إلى عدم تفسير اتفاق وقف النار في غزة إيجاباً على لبنان. أو بعبارة أخرى، لا تنخدعوا بمعاهدة غزة. فظروف غزة مختلفة عن ظروف الجبهة
اللبنانية. وكدليل على ذلك، ها أنّ أيدينا طليقة في لبنان.
أما الرسالة الثالثة، فهي أنّ إسرائيل ستعارض بالنار أي تفكير بإعادة إعمار الجنوب، طالما أنّ المعطيات الميدانية لا تزال على حالها. والمقصود هنا طبعاً سلاح «حزب الله».
والرسالة الرابعة كانت لرئيس مجلس النواب
نبيه بري، وهي دعوة بالنار لإتمام بنود الاتفاق الذي تمّ عبر الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، وأدّى إلى وقف الأعمال الحربية، والمتعلق بالجسم العسكري لـ «حزب الله».
ولا حاجة للشرح بأنّ إدارة ترامب تتفق مع إسرائيل حول هذه العناوين الأربعة. أضف إلى ذلك، أنّ ترامب والذي يدرك جيداً مدى حراجة «صديقه» نتنياهو جراء السير في مبادرته، سيترك له هامش الحركة في لبنان، خصوصاً أنّها تلتقي مع المشروع الأميركي بإخراج
إيران من لبنان.
قريباً سيصل السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى مركز عمله في لبنان، بعدما خضع لإحاطات كاملة حول الملف اللبناني. لكن ما لفت تلك الزيارات التي قام بها القائم بأعمال السفارة، وهو الذي يُعتبر الرقم اثنين في التراتبية، والتي شملت المسؤولين اللبنانيين الكبار. واللافت أنّ هذه الزيارات حصلت قبل فترة قصيرة من وصول السفير الجديد أي رئيسه كما هو مفترض. وهو ما طرح علامات استغراب. مع الإشارة إلى أنّ القائم بالأعمال كيث هانيغان كان عمل سابقاً كمساعد لنائب
وزير الخارجية للشؤون الإدارية. أي أنّه جاء من موقع جيد وليس من أسفل السلم. وهنالك من يعتقد أنّ السفارة التي بدأت تمتلئ بكوادر من المستوى الرفيع والمميز، وهو ما كان غائباً عنها لفترة زمنية طويلة، سيكون نشاطها أكبر بكثير من السابق. فآخر سفير كان يحظى بهامش واسع وحركة سياسية ناشطة كان جيفري فيلتمان. أما آخر سفير كان له دور أمني وازن فكانت السفيرة إليزابيت ريتشارد، والتي أتت من عالم الأمن، وهي الآن تلقي محاضرات في كلية الدفاع. أما السفراء الباقون فكانت حركتهم مقيّدة والهامش المعطى لهم محدود. ولكن ثمة انطباعاً بات يغلب على الدوائر الديبلوماسية المهتمة بالواقع اللبناني، وهو أنّ لبنان خسر أو يكاد «المومينتوم» الدولي الذي كان قائماً لمصلحته. فالزخم الدولي بات يتركّز على غزة وسوريا، وهنالك المفاوضات السرّية الدائرة بين واشنطن وطهران، ولو عبر قنوات وسيطة. وهو ما يجعل لبنان ساحة إغراء لنتنياهو لإنقاذ نفسه من المقصلة السياسية الداخلية. فمثلاً، تبدي واشنطن موافقتها لا بل حماستها لمطلب إسرائيل بتحقيق منطقة عازلة عند الحدود، ولكيلومتر واحد على الأقل. ولكن من يستطيع القبول بهذا الشرط في لبنان؟ ولذلك قد تتساهل واشنطن مع نتنياهو في تصعيده ضدّ لبنان، على رغم من الوعود التي يطلقها بعض مسؤوليها للمسؤولين اللبنانيين.لكن، ثمة إشارتين تحتاجان إلى كثير من التمعن والتفسير، الأولى سعودية وجاءت من خلال زيارة وزير الخارجية السوري إلى لبنان. فهذه الزيارة حصلت بتشجيع
سعودي، وهدفت للإشارة إلى أنّ التحرّك السعودي في اتجاه الملفات اللبنانية إنما حان وقته. والإشارة الثانية، وهي وفق ما تسرّب من لقاء أمين المجلس الأعلى للأمن القومي
الإيراني علي لاريجاني مع قيادة «حزب الله»، بأنّه على الحزب التمسك جيداً بتحالفه مع الرئيس نبيه بري وعدم الخلاف معه في أي ظرف كان، والبدء بوضع آلية للعمل من ضمن هيكل الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وليس عبر مؤسسات رديفة من خارجها كما كان حاصلاً في السابق. من المعروف عن لبنان تشابك الخيوط فيه، بحيث يصبح شبه مستحيل فصل الخيط الأبيض عن الأسود. ولا شك في أنّ التشابك الآن أصعب وأعقد، وسط التحولات الإقليمية الكبرى.