شكلت الموازنة عنوان التجاذب السياسي المرجح أن يتصاعد بعدما كشفت مواقف أمس، عن تمسك "
الثنائي الشيعي" بتضمين الموازنة بنوداً واضحة لإعادة الإعمار في الجنوب كي يتم تمريرها، بينما لم يستبعد بعض مؤيدي الحكومة أن تقف الموازنة عند أبواب مجلس النواب.
وكتب سعيد مالك في"نداء الوطن":
لوّح الرئيس برّي بِعَدَم تمرير موازنة العام 2026 في المجلس النيابي، في حال لم تتضمّن بندًا يتعلّق بإعادة إعمار المناطق التي دمّرها العدوان
الإسرائيلي على
لبنان.
ولا أعتقد أن الرئيس برّي غاب عن باله، أن
الدستور مَنَحَ الموازنة موقعًا استثنائيًا نظرًا لأهمّيتها، فنصّ في المادة 32 منه على تخصيص جلسات العقد الثاني لمجلس النوّاب للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كلّ عمل آخر. من ثمّ ذَهَبَ أبعد من ذلك في إعطاء الأولويّة للموازنة على ما عداها. فجاء في المادة 86 من الدستور أنه إذا لم يبتّ مجلس النواب في الموازنة نهاية العام، فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فورًا لعقد استثنائيّ يستمرّ لغاية نهاية شهر كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة. تحت طائلة إصدار الموازنة بمرسوم.
وبالتالي، لا يحق لرئيس مجلس النواب التلويح بعدم إقرار الموازنة. لأن إقرارها موجب دستوري. وعدم إقرارها يسمح في إصدارها بمرسوم يصدر عن رئيس الدولة.
هذا مِن جهة، ومِن جهةٍ أُخرى، مِن الثابت أن إقرار الموازنة أم ردّها، هو مِن صلاحية الهيئة العامة وليس شخص رئيس مجلس النواب على الإطلاق. بالتالي، كان يقتضي على رئيس المجلس التلويح بصلاحيّةٍ يمتلكها، لا أن يستعرض بصلاحية تخُصّ الهيئة العامة. فالمادة86 من الدستور أَوْلَت صلاحية البت بمشروع الموازنة للمجلس النيابي وليس لرئيس المجلس النيابي. فكفى استعراضًا ومُصادرةً لصلاحيات المجلس.
ويبقى السؤال، لماذا انتظر الرئيس برّي إلى ما بعد إقرار مشروع الموازنة في
مجلس الوزراء، وإحالتها إلى مجلس النواب، حتى يُثير هذه الزوبعة؟ وهو يُدرِك أن مجلس النواب ليس باستطاعته إضافة أي اعتماد أم زيادة على مشروع الموازنة، عملًا بأحكام المادة 84 من الدستور.
ولو كان الرئيس برّي صادِقًا وجدّيًا بتلويحه، لماذا لم يُوعِز أقلّه إلى وزرائه في الحكومة، ومنهم معالي وزير المال، لِعدم التصويت والمُصادقة على مشروع الموازنة، ما لم تتضمّن بندًا يتعلّق بإعادة الإعمار؟
بالخُلاصة، الموازنة تمرّ عبر بوّابة
البرلمان وليس عبر بوّابة
عين التينة. والتلويح بعدم تمرير الموازنة ما لم تتضمّن بندًا....كذا.... لا يستقيم. علمًا، أن عدم إقرار الموازنة وعرقلتها له انعكاسات سلبيّة جدًّا على الدولة، ويؤدّي إلى فوضى في المالية العامة. حتى أن الدستور أجاز حلّ مجلس النوّاب في حال ردّه الموازنة برمّتها بِقصد شلّ يد الحكومة عن العمل (البند الرابع من أحكام المادة 65 من الدستور).