"إن المجلس لن يصوت على موازنة ليس فيها اعتمادات للجنوب". هذا القول لرئيس مجلس النواب
نبيه بري سبق أن قابله موقف جماعي آخر تمثّل في انسحاب نواب "القوات" و"الكتائب" ومستقلين و"تغييريين" من آخر جلسة تشريعية فـ "طيّروا" نصابها، وحالوا دون انعقاد الجلسة في اليوم التالي، وذلك اعتراضًا على عدم إدراج تعديل المادة 112 من قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسات العامة للمجلس. وهذا يعني أن النواب، الذين "طيرّوا" نصاب جلستين، هم على استعداد دائم للحؤول دون تأمين النصاب لأي جلسة ما لم يُدرج موضوع تصويت المغتربين لـ 128 نائبًا على رأس قائمة أي جدول أعمال. وهذا يعني أيضًا أن المجلس لن يستطيع في ظل هذا الجو المتشنج أن يناقش الموازنة، التي حولتها الحكومة إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، والتي أحالتها بدورها إلى لجنة المال والموازنة النيابية لدرسها وإدخال بعض التعديلات عليها قبل إحالتها على الهيئة العامة.
بالمختصر المفيد يمكن القول بأن الدور التشريعي قد دخل فعليًا في مرحلة الشلل وعدم الإنتاجية. فمجلس النواب واقع بين مطرقة الرئيس
بري وسندان "
القوات اللبنانية" باعتبار أن لديها أكبر كتلة نيابية، وهي تشكّل رأس حرب مواجهة في وجه الذين يصرّون على حرمان المغتربين من حقّهم في التصويت مثلهم مثل أي
لبنان آخر وفق ما ينصّ عليه
الدستور، الذي لا يميز بين لبناني مغترب وآخر مقيم.
الذين يعرفون الرئيس بري عن كثب يعرفون أنه لا يقول كلمة ويتراجع عنها أيًّا تكن النتائج. فهو عندما يقول بأن لا شيء يتقدم على القانون الانتخابي الحالي سوى القرآن والانجيل يعني ما يعنيه. فهو لن يتراجع عن هذا الموقف حتى ولو "طبّقت السماء على الأرض". هو مقتنع تمام الاقتناع بأن لا شيء يبرر تعديل قانون نافذ تم التوافق عليه من قِبل كل الكتل النيابية حتى تلك التي تطالب بتعديله اليوم. فما الذي تغيّر بين الأمس واليوم. ويُضاف إلى هذه القناعة عامل آخر، وهو أن نتائج تصويت المغتربين للنواب الـ 128 في ربيع العام 2022 سيُعمل على تجييرها هذه المرّة من قِبل الذين لديهم قوة اغترابية وازنة لإحداث خرق في "البلوك الشيعي"، مع ما يعنيه هذا الأمر، في حال حصوله، من تداعيات على معركة بدأ التحضير لها، وسيكون مسرحها أول جلسة للمجلس الجديد المدعو أن ينتخب رئيسًا له لمدة أربع سنوات مقبلة.
في المقابل فإن قول الرئيس بري بأن الموازنة لن تناقش ما لم تُرصد فيها اعتمادات للجنوب ولإعادة إعماره هو نوع من "ضربة معلم"، ويأتي كخطوة استباقية لما يمكن أن تقوم به "القوى السيادية" لجهة تعطيل العمل التشريعي في محاولة منها للضغط في اتجاه وضع المادة 112 على طاولة البحث في ساحة النجمة وليس في أي مكان آخر. وهدف هذه الخطوة الاستباقية للرئيس بري تلميحه بأنه هو "سيد" المجلس. يفتحه ساعة يشاء ويقفله ساعة يشاء. وهذا الأمر هو من ضمن صلاحياته الدستورية وتطبيقًا للنظام الداخلي للمجلس.
المشكلة الرئيسية بين الرئيس بري وبين "القوات
اللبنانية" وغيرها من الكتل المعترضة على طريقة إدارة الجلسات النيابية هي أن هذه القوى تعتبر أن الرئيس بري يدير الجلسات النيابية باعتباره رئيسًا لحركة "أمل" وليس بصفته رئيسًا للمجلس النيابي. ولكن في الوقت ذاته فإن الرئيس بري لا يعتبر نفسه فريقًا، بل هو رئيس لجميع النواب على اختلاف انتمائهم الحزبي والطائفي والمذهبي.
وبين إصرار الرئيس
بري على السير بالقانون النافذ وبين إصرار "القوات" وحلفائها
على إلغاء المادة 112 بما يسمح للمغتربين بالاقتراع لمئةٍ وثمانيةٍ وعشرين نائباً، انطلاقاً من مبدأ دستوري وارد في اتفاق الطائف، وهو مساواة اللبنانيين المقيمين بغير المقيمين، يبدو أن ثمة اتجاهًا لعدم إجراء هذه الانتخابات في موعدها الدستوري.
ويضاف إلى إصرار "القوات" على الغاء المادة 112 استغرابها الكلام، الذي يشير إلى عدم تكافؤ الفرص أمام الناخبين المغتربين، فتكرّر السؤال الذي وجّهه
رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع إلى
الثنائي: "كيف لا يمكنكم أن تجروا حملات انتخابية إذا تمّ السماح للمغتربين بالاقتراع لمئةٍ وثمانيةٍ وعشرين نائباً، ويمكنكم أن تفعلوا ذلك في الدائرة 16 ووفق المادة 112، بحيث ستضطرون إلى إجراء حملات؟ فلماذا هذا التناقض؟"