كتب ابراهيم حيدر في" النهار": يطغى الطلب الأميركي من
لبنان التفاوض المباشر مع
إسرائيل، على الحركة الديبلوماسية في المرحلة المقبلة، وسط ضغوط إسرائيلية بالنار لتطبيق اتفاق 27 تشرين الثاني 2024. إذ لم تتقدم
واشنطن بورقة جديدة، أو العودة إلى نوع المفاوضات السابقة، فيما لبنان الرسمي لم يحسم خياراته بسبب الخلافات حول صيغة التفاوض، وإن كان يجري التداول بين الرؤساء بأفكار لم تتبلور بعد، توفّق ما بين التفاوض المباشر وغير المباشر، لكنها تستحضر ورقة توم برّاك وأهدافها، رغم أن الموفد الأميركي أبلغ الرؤساء أن لا تنازلات إسرائيلية ولا ضمانات أميركية لوقف العمليات ولا الانسحاب.
إسرائيل تسعى أيضاً للتفاوض المباشر، لكنها تصر على إقامة المنطقة العازلة وترفض الانسحاب من النقاط المحتلة، مشترطة نزع سلاح "
حزب الله" مسبقاً. ورغم أن الحكومة أقرت خطة 5 آب للسلاح، فإن الإصرار الأميركي الذي يترجم بالضغط للانتهاء من "نزعه" قبل نهاية السنة، يربك الدولة ويضعها أمام مطرقة الحزب الرافض للتسليم وللتفاوض، وأيضاً أمام الشروط
الإسرائيلية، ما يزيد من حجم الضغوط التي يتعرض لها لبنان لدفعه إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل. وهذا الأمر تبلغه لبنان من واشنطن ومن المبعوثين
الأميركيين من دون ضمانات، إذ لا خيار أمامه إلا التفاوض للتوصل إلى تفاهمات أمنية وترتيبات للحدود.
لبنان لا يزال يصر على التفاوض غير المباشر، مثل المفاوضات البحرية حيث كانت الديبلوماسية الأميركية وسيطاً، من دون أن يتمكن من تقديم رؤية جديدة أو ابتكار خيارات تسمح بتحقيق اختراق جدي، سوى ما هو مقترح من وفود عسكرية مطعمة بحقوقيين، ويرفض التفاوض على طريقة 17 أيار 1983. لكن لن يكون في إمكان لبنان خلال الشهرين المقبلين إلا الإجابة عن مسار التفاوض الذي يطلبه الأميركيون. فواشنطن تريده بمستوى سياسي لإنهاء الصراع والتوصل الى ترتيبات للحدود. أما ما يطلبه لبنان من تفاوض غير مباشر، فهو أيضاً وفق مصادر ديبلوماسية، نوع من الاتصال المباشر الذي حدث في مجريات التفاوض البحري، إذ أن الوفدين اللبناني والإسرائيلي كانا حاضرين، لكنهما يتحدثان مع الأميركي كوسيط.
لبنان تبلّغ أيضاً رسائل عبر موفدين دوليين ومن خلال قنوات ديبلوماسية، رسائل لها علاقة بالتفاوض المباشر، وتحذر من خطر تركه وحيداً، مع الاشتراطات الأميركية التي قد تحجب أي مساعدات أو استثمارات، أو حتى التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. ويكمن الخطر أنه كلما بقي لبنان في دائرة الانتظار، كلما صار مهدداً أكثر، خصوصاً مع تراجع الدعم الدولي للحكومة، بينما لا يزال "حزب الله" يرفض مساعدة الدولة لتسهيل مهمتها في حصر السلاح، ويحملها المسؤولية عن الاحتلال، وهو غير قادر على الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، ليس لأنه أعطى فرصة للدولة، بل لأن النتائج التي أحدثتها الحرب، أحدثت خللاً وضربت ما كان يسميه توازن الردع، وكلما عاند الحزب الاعتراف بنتائج الهزيمة، كلما اندفع إلى المغامرة بما تبقى له من رصيد، وهو اليوم يعلن بصيغة التهديد رفضه أي تفاوض مباشر مع إسرائيل.
وكتب رضوان عقيل في" النهار": كان الرئيسان جوزف عون ونواف سلام قد تلقيا أكثر من إشارة خارجية تشدد على الطلب من الحكومة الدخول في تفاوض ولو غير مباشر مع تل أبيب. وإذا كان عون أول المعنيين والعاملين على هذا الملف، فقد تلقى سلام رسالة غربية توضحت خطوطها أكثر في زيارته الأخيرة إلى باريس ولم يكن عون بعيداً من مضمونها، ولذلك عمد إلى الكشف عن مكنوناتها بالاستعداد في الدخول في تفاوض غير مباشر مع تل أبيب تزامناً مع اتفاق غزة الذي يرعاه الرئيس
دونالد ترامب. وفي المعلومات أن سلام ناقش هذا الموضوع مع الرئيس
نبيه بري الذي يركز أنه على لبنان العمل على إنهاء الوضع القائم في الجنوب ومنع استمرار حلقات مسلسل الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في الجنوب والتي لم تعد تقتصر على أهداف تعود لـ "حزب الله". ولم يقدم
بري جواباً على الرسالة الأميركية قبل توضيح بنودها ورد فعل إسرائيل وانتظار خلاصة المرحلة الأولى من اتفاق غزة علماً أنه سيجري نقاشات لبلورة هذه الخطوة مع "حزب الله".
ولا يخفي رئيس المجلس حذره الشديد وعدم ثقته بإسرائيل في حال الإقدام على عملية التفاوض المطروحة لعدم توافر الضمانات الأميركية المطلوبة بدليل تجاوز إسرائيل وقف إطلاق النار والقرار 1701، وهذا ما أبلغه للموفدين الأميركيين في كل زياراتهم. وإذا كان موضوع التفاوض، ولو بالمباشر، محل قبول عند جهات سياسية ونيابية، فإن غير المباشر ليس بالأمر السهل على "حزب الله". وفي غضون ذلك تسعى الإدارة الأميركية إلى فتح قنوات مباشرة بين تل أبيب وبيروت، وهذا ما يشدد عليه
ترامب، وباريس وبحسب تقارير ديبلوماسية أبلغت أكثر من مسؤول لبناني أن كل أوراق اللعبة أصبحت في يد ترامب، وأن من مصلحة لبنان التوصل إلى رؤية واحدة والدخول في تسوية مع إسرائيل برعاية أميركية.
وإذا لم يتلقف لبنان التوجه إلى تفاوض غير مباشر، فإن إسرائيل ستتجه إلى فرض المزيد من الضغوط ليس على الحزب فحسب بل على بيئته وكل الجنوبيين.