تتحوّل الأسابيع المقبلة إلى مساحة ترقّب سياسي غير مسبوقة، مع تصاعد الحديث عن إمكان عودة "
تيار المستقبل" إلى المشهد الانتخابي بعد غيابٍ ترك فراغاً واضحاً في المعادلة الوطنية. فالمعلومات المتناقضة التي تتسرّب حول مشاركة "
التيار" من عدمها، لا تعكس فقط غموض القرار داخل البيت الأزرق، بل تكشف حجم الرهانات الموضوعة على هذا القرار الذي قد يُعيد رسم الخارطة النيابية برمّتها. إذ إنّ المسألة لم تعد تتعلق بحجم الكتلة أو بعدد المقاعد، بل بموقع "المستقبل" وتموضعه السياسي الذي لا ينتمي بوضوح إلى أيّ من المعسكرين المتقابلين في البلد.
فـ"تيار المستقبل" لا يُعدّ حالة وسطية بقدر ما يُمثّل قوة توازن مستقلّة في مشهدٍ سياسي منقسم، ما يجعل من فوزه بكتلة نيابية وازنة عاملاً حاسماً في تحديد طبيعة التوازنات داخل المجلس النيابي المقبل. حيث أن وجوده لا يعني تعزيز فريق على حساب آخر، بل إعادة توزيع موازين القوى بطريقة تخفّف من حدّة الاصطفاف القائم، وتفتح الباب أمام مقاربات أكثر مرونة واعتدالاً في إدارة الملفات الحسّاسة. وبمعنى آخر، فإن عودة "المستقبل" إلى
البرلمان كقوة مستقلة ستربك كثيراً من الحسابات المسبقة التي بُنيت على غيابه في دورة 2022.
لكنّ هذا "الحياد النسبي" الذي يميّز "التيار الأزرق" لا يمرّ، وفق مصادر سياسية مطلعة، من دون تداعيات مباشرة على الأطراف الأخرى. فـ"نواب التغيير" سيواجهون انحساراً قاسياً في أصواتهم، لأنّ جزءاً كبيراً من قاعدتهم
الانتخابية المؤقتة سينجذب مجدداً إلى التيار التقليدي الذي يشكّل مرجعية سياسية واجتماعية في بيئتهم. والأمر نفسه ينطبق على "
القوات اللبنانية" التي كانت المستفيد الأكبر من الصوت السني عام 2022، وتبني اليوم رهاناً واسعاً على هذا الصوت في انتخابات 2026، ما يجعل من مشاركة "المستقبل" عاملاً مقلقاً جداً بالنسبة لها، لأنها تفقد بذلك ورقة حاسمة في مناطق كانت تعتبرها شبه مضمونة.
حتى في حال قرّر
الرئيس سعد الحريري البقاء في الظل وعدم الانخراط المباشر في إدارة المعركة، ترى المصادر أنّ مجرد عودة "التيار" إلى الساحة كتنظيم سياسي فاعل كفيلة بترك أثرٍ واضح في النتائج. ورغم أنّ التأثير قد لا يبلغ حجم التسونامي الذي شهده
لبنان في مراحل سابقة، إلا أنّ حضوره الانتخابي، ولو بجرعةٍ أخفّ، سيعيد تشكيل المشهد العام، فارضاً وقائع سياسية جديدة تُجبر مختلف القوى على إعادة تموضعها، وإعادة رسم حساباتها وفق ميزانٍ لم تعتده منذ غيابه.
وعليه، يمكن القول إنّ الانتخابات المقبلة، مهما تعدّدت عناوينها، ستدور فعلياً حول سؤالٍ واحد: هل يشارك "تيار المستقبل" أم لا؟ فالإجابة عن هذا السؤال وحدها كفيلة بتحديد شكل المعركة واتجاه رياحها. إذ إنّ قرار المشاركة، إن حصل، لن يكون تفصيلاً انتخابياً، بل عامل ضغط سياسي يعيد خلط الأوراق ويزعزع التوازنات التي ارتاحت إليها بعض القوى خلال غيابه. ولعلّ الأطراف التي بنت نفوذها على "الغياب" ستجد نفسها أمام واقعٍ جديد، فيما القوى التي اعتادت الاصطفافات الحادّة ستُضطر إلى إعادة حساباتها. عندها، لن تكون الانتخابات مجرّد استحقاقٍ
دوري، بل محطة فاصلة تُعيد إدخال "التيار الأزرق" إلى قلب المعادلة، وقد تغيّر منطق اللعبة السياسية برمّتها.