تصاعدت حدة السجال السياسياً حول صلاحيات الحكومة في مقاربة قانون انتخاب المغتربين، بعدما حذّر رئيس مجلس النواب نبيه برّي من «محاولاتٍ تهدف إلى عزل طائفة»، مؤكداً أنّ «الحكومة لا يحقّ لها أن ترسل قانوناً جديداً إلى مجلس النواب في ظلّ وجود قانونٍ سارٍ».
وعرض رئيس الجمهورية جوزاف عون مع وزير الداخلية والبلديات العميد احمد الحجار، التحضيرات الجارية في مختلف وحدات الوزارة لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها في شهر أيار المقبل. وأوضح الوزير الحجار ان جهوزية وزارة الداخلية كاملة لانجاز هذا الاستحقاق في افضل الظروف في حيادية وشفافية مطلقين.
وكتبت" النهار": ليس من باب المصادفات ان تتحول المبارزة حيال ملف اقتراع المغتربين إلى اداة تحشيد طائفية على النحو الذي ذهب اليه
رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لكي يحجب تعطيله للأصول الدستورية وتجاوزه لنظام المجلس نفسه في تمنعه عن ادراج اقتراح قانون معجل مكرر للأكثرية النيابية المؤيدة لاقتراع المغتربين لمجموع أعضاء مجلس النواب، انبرى في الساعات الأخيرة لتطييف الخلاف ومذهبته مدرجا أي تعديل لقانون الانتخاب في سياق ما وصفه عزل طائفة الامر الذي استدعى ردودا عليه من قوى الأكثرية.
واعتبرت مصادر نيابية في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «ان الجدل الدائر يتجاوز الإطار التقني للنصوص، ليعكس تبايناً سياسياً أوسع حول مفهوم المشاركة والتوازن داخل المؤسسات، إذ يسعى كلّ طرفٍ إلى تأكيد موقعه الدستوري في سياقٍ شديد الحساسية، فيما تبقى الأنظار موجّهة إلى قدرة القوى السياسية على إدارة هذا النقاش بهدوء، وضمان إجراء الانتخابات في موعدها، بعيداً عن أي توتّرٍ أو تعطيلٍ جديد».
واعتبرت أوساط سياسية عبر "نداء الوطن" موقف بري رسالة إلى رئيسي الجمهورية والحكومة لأن رئيس الحكومة يعدّ جدول أعمال
مجلس الوزراء ويطلع عليه رئيس الجمهورية، وبالتالي فقد رأى بري ولمس أن الأمور ذاهبة باتجاه وضع مشروع القانون المتعلّق بإلغاء المادة 112 على جدول أعمال مجلس الوزراء، وفي حال تمّ وضعه سيتمّ إقراره والتصويت عليه، ثم يحال إلى مجلس النواب حيث الرئيس بري ملزم بطرحه على الهيئة العامة. وإذا ما طرح المشروع على الهيئة العامة ستصوّت الأكثرية في البرلمان على هذا المشروع لجهة إلغاء المادة 112 وتمكين المغتربين من التصويت للنواب الـ 128 وهذا ما لا يريده. وقالت هذه الأوساط: "لم يكن بري ليتخذ هذا الموقف لو لم يشعر بالخطر من تصويت المغتربين الذي سيقلب النتائج ولدى "الثنائي" مخاوف كبرى من تصويت المغتربين ويريد إلغاءه بأي ثمن. وفي المقابل، فإن القوى النيابية التي تريد إلغاء المادة 112 تذهب إلى مزيد من الضغط فتدعم الحكومة في مشروع القانون وفي اتجاه الضغط على بري من أجل أن يضع اقتراح القانون المعجل المكرّر على جدول أعمال أول جلسة تشريعية".
وكتبت" الديار": ان واشنطن ودولا عربية تريد من الانتخابات النيابية، ان تكون محطة من محطات هزيمة
حزب الله، عبر تقليص كتلته النيابية، ودعم
تيار شيعي نيابي قادر على الوصول الى رئاسة المجلس النيابي، وتأمين التغطية الشيعية لاي اتفاق سلام بين
لبنان و «إسرائيل»، عبر مفاوضات مدنية وليس عسكرية. يذكر انه كان مستحيلا توقيع الدولة
اللبنانية على اتفاق 17 ايار 1983 بين لبنان و«إسرائيل»، لولا وجود كامل الاسعد الشيعي في رئاسة المجلس النيابي، الذي غطى الاتفاق تشريعيا وشيعيا. وهذا ما يريده الخارج من الانتخابات النيابية المقبلة، والمدخل الى ذلك تصويت المغتربين للنواب الـ 128، وهذا ما حسم نتائج انتخابات 2022 لمصلحة القوى المعارضة لحزب الله وامل وحلفائهم، حيث لم ينل مرشحو المقاومة اي صوت في
الولايات المتحدة الاميركية والعديد من الدول الاوروبية، بالاضافة الى دول مجلس التعاون الخليجي. ومن اصل 141 الف مغترب صوتوا في الانتخابات الماضية، نال المرشحون المعارضون لحزب الله 90 % من هذه الأصوات.
هذا السيناريو الانتخابي يجب ان يتكرر في ايار 2026، ويعيد الاكثرية نفسها المعارضة لحزب الله، التي عليها الاستفادة من موازين القوى الجديدة، للتوقيع على اتفاق السلام بين لبنان و«إسرائيل».
هذه النظرة المصيرية الى قانون الانتخابات، فجرت سجالات عالية السقف بين الرئيسين نبيه بري ونواف سلام، قد تؤثر في عمل الحكومة والمجلس النيابي وتعطيل البلد، فيما قوبل كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري على عزل الشيعة، والتمسك بالقانون الحالي والنواب الستة ورفض كلام نواف سلام، عن استعداد الحكومة ارسال قانون جديد للانتخابات يتضمن التعديلات المطلوبة بشأن اقتراع المغتربين، اذا لم يمارس مجلس النواب دوره برفض شامل، وردود فعل عالية السقف من «القوات» و «الكتائب» و «التغييريين».
وكانت مواقف رئيس مجلس النواب الأخيرة أثارت ردات فعل نيابية، فتوجّه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل إلى بري سائلا ومستغربا "بأي قاموسٍ تُعتبر ممارسة مئات آلاف اللبنانيين المغتربين، من كل الطوائف والمناطق، ودون أي تمييز، حقَّهم الدستوري في تقرير مصير بلدهم “عزل طائفة”؟ من يحاول عزل الطائفة عن بقيّة اللبنانيين هو من يرفض منطق الدولة والمساواة، ويتمسّك بسلاحه وبارتباطه الأيديولوجي بإيران، رغم تخلّيها عنه في أصعب الأوقات."وأضاف: "بكل الأحوال، رأيُك لا يمنحك الحق في منع المجلس من حسم هذا النقاش بجلسة عامة. فالمجلس، هو الذي يُمثّل جميع اللبنانيين، وهو من يملك القرار".
كما صدر عن حزب "القوات اللبنانية"، بيان استغرب "اعتبار تصويت المغتربين شكلاً من أشكال العزل، فيما غير المقيمين ينتمون إلى كل الطوائف دون استثناء. أما حرمانهم من التصويت في دوائر نفوسهم لجميع نواب الأمة، كما يفعل الرئيس بري، فهو العزل بعينه" . واستهجن "وصف الممارسة الدستورية التي بدأت تشقّ طريقها للمرة الأولى بأنّها "عزل لطائفة"، فيما الانقلاب المتكرر على هذه الممارسة هو الذي عزل الدولة وطوائفها وشعبها على مدى خمسةٍ وثلاثين عامًا".وُذكَّر بري "بأن السبب
الرئيسي لزيارة الوفد النيابي للمسؤولين هو امتناعه عن الاحتكام إلى المؤسسات والنظام الداخلي للمجلس والأعراف المتبعة. فالمسألة ليست وفدًا في وجه وفد، بل استمرارًا في رفض وضع اقتراح القانون المعجّل المكرّر لإلغاء المادة 112 على جدول الهيئة العامة لتقرِّر الإلغاء من عدمه، ومع الأخذ في الاعتبار ان الوفد النيابي لقوى المعارضة يمثِّل الأكثرية في مجلس النواب. وأما قوله إن "الحكومة لا يحقّ لها إرسال قانون إلى مجلس النواب بوجود قانون ساري المفعول"، فهرطقة دستورية صريحة، لأن الحكومة التي تتقدّم بمشاريع قوانين، تتقدّم بالتعديلات المطلوبة، .من واجبات الحكومة الأساسية أن تقترح تعديلات على القوانين النافذة متى اقتضت الحاجة".