كتبت صونيا رزق في" الديار": في مرحلة سابقة، بدت باريس اللاعب السياسي الابرز في
لبنان، من ناحية الإهتمام به ومساعدته من كل النواحي، حيث عادت الام الحنون الى دورها، بعد زيارات عدة الى لبنان على أثر إنفجار مرفأ
بيروت في 4 آب 2020، فكان اول الواصلين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لتتبع خطوته زيارات كبار الموفدين الفرنسيين..
وعلى ما يبدو، ارادت باريس اليوم إسترجاع مهمتها تلك، من خلال زيارة المستشارة السياسية للرئيس الفرنسي الى لبنان آن كلير لوجاندر في توقيت دقيق، يهدف الى إعادة تنشيط الدور الفرنسي على الساحة
اللبنانية، على الرغم من كثرة الزوار الغربيين والعرب، لكن الحضور الأميركي الفاعل في لبنان، أقفل لها الطريق مرّات عدة، فحدث نوع من التمايز يبدو اليوم في اوجّه، بالتزامن مع المبادرة المصرية والحراك السعودي. لكن تبقى لفرنسا خياراتها التي تريح لبنان بشكل عام ، بسبب الديبلوماسية التي تختار كلماتها ومواقفها بعناية ودقة شديدة، إنطلاقاً من تعاطيها مع كل الافرقاء وفي طليعتهم
حزب الله، الذي تعتبره لاعباً اساسياً في لبنان لا يمكن تجاوزه في اي تسوية قد تحصل، كما تفعل الادارة الاميركية التي تسعى الى عزله، بحسب مصدر سياسي مطلع على اوساط ديبلوماسية غربية.
ويقول المصدر " لا يمكن لأحد ان ينكر ان فرنسا تتعاطى مع الامور من منطلق واقعي، لا يمكن وضعه في خانة التدخّل الخارجي، او الوقوف الى جانب اي طرف سياسي، ووضع الآخر في خانة الخصم، بل كانت دائماً على مسافة واحدة من الجميع، اذ لطالما حرصت وسعت الى إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع حارة حريك، فالتقى موفدوها كبار مسؤولي الحزب، كما تميّزت باريس بعلاقة مرنة مع طهران، فيما واشنطن تتشدّد دائماً مع الاخيرة، ما يُبعد دروب الديبلوماسية في أحلك الظروف، التي تتطلب الحوار الفاعل.
الى ذلك ووفق آخر المعطيات، عملت باريس عبر المستشارة الرئاسية لوجاندر على تمديد المهلة الزمنية "لحصرية السلاح" لفترة اطول، لكن الجانب
الاميركي رفض، كما دخلت على خطوط اخرى لضبط الاوضاع باللغة الديبلوماسية، فكان الرد الاميركي بالرفض المطلق. وسعت لوجاندر الى تفعيل عمل " الميكانيزم" وفق ما يريده لبنان، فأبلغت كبار المسؤولين اللبنانيين رغبة فرنسا بلعب دور كبير في عملية التفاوض، ونُقل عن بعض المسؤولين اللبنانيين الذين إلتقتهم بأنّ زيارتها انتجت الكثير من ثقة المسؤولين بالطروحات
الفرنسية، بعد تكثيف الاتصالات الفرنسية مع طهران، لعدم استخدامها الورقة اللبنانية في علاقاتها السياسية السيئة مع
الولايات المتحدة.
وعلى الخط الاميركي ووفق المصدر عينه، فالضغوط الاميركية تتوالى من خلال التأكيد على المهل الزمنية التي لن تتغير اجندتها، اذ ترى بأنّ حزب الله يستفيد من عامل الوقت كي يتعافى، والنتيجة كانت بالردّ على تشديد الحصار المالي عليه بهدف منع إعادة الإعمار، إضافة الى التهديدات المتكرّرة بفرض العقوبات. وافيد في هذا الاطار، بأنّ العقوبات الاميركية في طريقها الى لبنان، مع مطلع العام المقبل بحسب المصدر المذكور. هذا التمايز وضع باريس وواشنطن ضمن خطين لا يلتقيان، على حد قول المصدر، اذ تصرّ فرنسا على عدم تصنيف حزب الله بالمنظمة الارهابية، إنطلاقاً من ضرورة إجرائها الحوار مع كل الاطراف للوصول الى حل، فيما اميركا تعاكسها الرأي، وتمضي في تشدّدها مع الحزب، وترفض وجود اي جناح عسكري لإيران في اي مكان، وخصوصاً لبنان. كما لعب التمايز بين الجانبين دوراً خلال مرحلة التجديد لولاية قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، والتي دعمتها باريس بقوة ، فيما رفضت واشنطن التجديد لها كما ارادت "
إسرائيل" تحت حجج واهية، على الرغم من انّ قوات "اليونيفيل" تبقى عاملاً للمحافظة على الأمن والاستقرار في الجنوب، وطرفاً يسعى الى تنفيذ قرارات مجلس الأمن بالتعاون مع الجيش اللبناني. في السياق يختم المصدر:" هذا غيض من فيض والتمايز الاكبر يقترب في الملفين الابرز اي "حصرية السلاح " والتفاوض وسيتفاقم خلال الشهرين المقبلين".