كتب الوزير السابق
جورج كلاس: للسمعة في حياة الأشخاص تأثيراتٌ على وجودهم و مواقعهم في المجتمع ، إرثاً و حضوراً و توريثاً و منسوبَ كرامةٍ و مستوى مقام . إنها مبدأ أخلاقي يُنَمّى بالتربية و تجلوه التجارب و إختباراتُ الأحوال .
و السمعةُ المهنية مشفوعة بالخبرة المعرفية ، غالباً ما تكون اقوى من الشهرة ، و أعلى مرتبةً منها في تظهير حقيقة الناس ، كما ان لها فِعْلها في تصنيف الاشخاص إجتماعياً و إضفاء الهالات على رؤوسهم او إسدال الستارة على حضورهم ، كفعل إستباقي و حُكمٍ وقائي تفرضه الظروف و يتحكَّم بمساره توقّع الخيبات ، في بيئات متشظيَّة كثر فيها ( المنظِّرون ) و قلَّ فيها الفكر .
و غالباً ما تبني السمعةُ الاسمَ الرباعي للشخص المكوَّن عُرفاً من اسمه الاول و اسم أبيه و اسم العائلة ، مسبوقاً او متبوعاً أحياناً بالسمعة
الطيبة التي تصيتُ عنه بالأبيض ، شهامة و أمانة و بسالة و كرماً و خصالاً حميدة ؛ او بالسمعة السيئة ،العاكسة لسلوكاته بالأسودِ، خيبةً و خيانةً و بخلاً و جبانةً و سوءَ أمانةٍ و غيبَةً و نكران معروف و طَوْلَاتِ لسان ..!
و السمعةُ ، بوَجهَيْها
الطيب و السيئ ، اشبه ( بالنشرة الشخصية ) و بملخص عن سيرة حياة الفرد ، الذي غالبا ما يُحكَمُ له او يُحكَمُ عليه من خلال سمعته ، التي تسبق ادبيات التعرَُف اليه و التعريف به و التفاعل معه ، تقارباً او تباعداً .
السمعة الطيبة ، الموروثة و المعاشة و المورًَثة ،هي تراث يُحافَظُ عليه ، و مبادرة تُنَمَّى ، و رصيد يُستثمَر بالخير و النفع العام ..!
فمع السمعة يكتمل الاسم ، تعريفاً و نسباً و شهرةً و برْقَةَ تألُّقٍ نوَّار أوْ دَمسَة ذِلٍّ عتَّام .
و كثيراً ما تُغني السمعةُ الطيبة عن أي تعريف و شرح و وتقديم أوراق اعتماد لدى الناس بمختلف مستوياتهم و مواقعهم . هي تسبقُ الشخص إلى المحافل و المجالس ، و تعرِّف عنه و تدل اليه عن بُعد ، تماما كما العطر يفوح عبقه من بعيد ..!
فليس قليلاً ابداً ان يُسْبَقَ إسمُ شخصٍ بعبارة " هذا شخص مسموعته جيدة ، و إِبنُ أخلاقه ، و كلمته كلمة ، و حافظ سِرٍّ ، و مؤتمَنٌ على خوفٍ ، و ساتِرٍ لمذلَّةٍ ، و حامٍ لِعِرض " ، و ان يقال فيه انه ابن أبيه ، و سليل عائلته ،و كريم العرق ، حسباً و نسباً ..!
انها السمعةُ يا بُنيّ ، فحصِّنها بأخلاقك ، و كنْ على قدر مسؤولية ما تربيت عليه من قيم و خصال و ما حَصَّلتَ من طيب مَحْتِدٍ و غلال كرامة .!
سمعةُ الشخص و سمعَةُ الوطن و سمعةُ العيلةِ و سمعةُ المهنة و سمعةُ المؤًسسة و سمعةُ المدرسة و سمعة البيت و سمعة الجامعة و سمعة المشفى و سمعة المطعم و سمعة الفريق…كلّها ، أحكامٌ منطوقة باسم الناس العارفين الشاهدين لمحاسن السمعة او الشاهدين على سوئها ..!
فإستثمرْ بمسموعيتك و إجعلها مدخلَ الناس إلى قلبك و فكرك ، و بطاقة دخولك إلى مقامات الحضور و عقولهم و قلوبهم و ألسنتهم . فالناس يا بنَيَّ قوَّالون و ناقلون جيدون لما يرونه منك و يسمعونه عنك ، او ما يعانون منك ، و ألسنتهم ظالمة لا ترحم إنْ رأوا منك سقطة ولوْ من غير قصد منك ، فيصوِّبون على سمعتك الطيبة البيضاء و يبدلونها بسمعة لئيمة شتيمة سوداء .
و كن على قدر القيم التي تجتمع في ما هو مسموع عنك بالإيجاب و التقدير !
و إيَّاك ان تستخِفََ بمسموعيتك أبدا . و حَذارِ ان تتهاون بجزئياتها او ان تهمل أيَّاً من مفاصلها . فهي الموروثُ و الإرثُ و الجنى و الرصيد و المقام .!
فتقوَّ بالسمعة ، فهي عنوانك و علامتك المايزة ، و إبتعد عن ذَنْبيَّةِ الشُبهة ، فإنها هدّامة سَمَّامةٌ قاتلة !
أنت تتعبُ و تجهدُ لبناء سمعتك مدماكا مدماكا ، و هي رغم صلابتها الفولاذية و شعاعية نورها ، معرضة للخدش و الكسر كالبلوَّرة ، التي إذا ما إنشعرَ قلبها او إنقرفَ طرفُها ، أصابها العيب و صعب التصليح و الترميم، و نسي الناس كلَّ ابيض اصيل فيك و تطلعوا إلى العيب الطارئ ، فقاضوك و ظالموك و أدانوك و اطلقوا عليك من السلبيات أظلمَ من أحكام أي دكتاتور ، و قالوا فيك ما لا يخطر على بال و ما لم يُقَلْ في أي مجال .
ان خدش السمعة الطيبة و ترميمها ، اخطر و أقسى و اصعب من السمعة السيئة نفسها . فإصلاح الخدش يستلزم تبريرا و توضيحا و شرحا إقناعياً و جهدا كثيفاً و تَعبَةَ قلب و صَفْنةَ صَبْر ، أكثر مما يستوجبه جهد إبدالِ السمعةِ السيئةِ بصيتٍ حسن .
حافظْ على سمعتك الطيبة و مسموعيتك المجتمعية و إبقَ على رِفعتكَ و علِّ مكانتكَ ، فسمعتكُ هي انت و هي اهلك و هي عيلتك و هي وطنك و هي كل منْ و ما حولك .
إحترِمْ قانون السمعة ، إحفظْهُ عن ظهر القلب ، ففيه المنعةُ و كل أمل ، و إبتعِدْ عن ذَنبيَّةِ الخيبة ، ففيها مَقتَل ..!