أول اختبار يواجهه "
حزب الله" بعد اغتيال رئيس أركانه هيثم طبطبائي، هو تعيين بديل عنه في سُلم القيادة، وهو أمرٌ قد يتناوله
الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم
قاسم في خطابٍ له، الجمعة.
لا شكّ أن "الحزب" دخل في مرحلةٍ صعبة وجديّة بعد اغتيال طبطبائي، لكن ما أرساهُ الأخير من خطط وتقنيات جديدة يعتمدها "حزب الله"، قد تكونُ أساساً للمرحلة المقبلة والتي سيبني "الحزب" نشاطه العسكري على أساسها.
ما يتم تسريبه من هنا وهناك عن خطط طبطبائي وتوجيهه لمقاتلي "حزب الله" تشكيل وحدات صغيرة يمكنها الصمود خلال أي صراعٍ مستقبلي مع
إسرائيل، إنما يعكس مسألة لا يمكن تجاوزها، وهي أنَّ "الحزب" خلع "ثوب الجيش" الذي ارتداه طيلة السنوات الماضية بصفته قوة كبيرة منظمة، وعاد إلى ما يُسمى بمفهوم "الوحدات الصغيرة" التي تقاتل في أرض الميدان من دون ارتباطها بالقيادة، وبالتالي تأدية تقنيات حرب العصابات في أثناء القتال.
تقولُ مصادر معنية بالشأن العسكري إنَّ "حزب الله" يركز تماماً على مبدأ "قتال الخلايا الصغيرة"، مشيرة إلى أن هذا النوع من القتال يعيدنا إلى حرب
تموز عام 2006، وذلك حينما قاتل "حزب الله" في وحدات ذات أعداد قليلة، ما يجعل قدرته على التحرك أسهل وأعمق.
فعلياً، فإن "حزب الله" اعتمد هذا الأسلوب أيضاً خلال حرب 2024، لكن الفرق بين الحرب الأخيرة ومعركة تموز هو أن "الحزب" كان يعتمدُ على خلايا ولم يؤسس "قوات" يعتمد عليها بشكل أساسيّ مثل "قوة الرضوان" التي كانت مهمتها غزو
الجليل. في الواقع، لو حافظ "حزب الله" على وضعه كـ"قوة" تعتمد على حرب العصابات "حصراً" من دون تعميق الوحدات وتوسيعها وتشكيل قوات تقود مهمات معينة، لما كان الوضعُ الذي وصل إليه "حزب الله" حالياً قائماً، وفق المصادر.
تفسر المصادر هذه المسألة بأن توسيع القوات يعني تأسيس قيادات لها، ما يعني انكشاف تلك القيادات على عناصر كثيرة وعديدة، وبالتالي حصول "تماس" ومعرفة، وبالتالي "خرق" من قبل أي عنصر يمكن أن يكون مدسوساً ضمن أي فرقة. هذه المسألة واردة إلى حد كبير، وفق المصادر، لكن الوحدات الميدانية والتي تعتمد حرب العصابات، يمكن أن تتلقى الأوامر والخطط عبر غرف العمليات والقادة الميدانيين الذين قد لا يكونون على تماس مع "كبار
القادة" الذين يخططون ويضعون سيناريوهات حربية، وبالتالي تحقيق عملية "الفصل" التي تعتبرُ أساسية في الحماية وتقليل الخروقات.
لهذا السبب، فإن "حزب الله" يسعى لإنشاء وحدات منفصلة عن بعضها، وفق ما تفسر المصادر، والهدف من ذلك هو أن تكون كل وحدة مسؤولة عن نفسها وعن خطتها القتالية من دون وجود أي معايير ثابتة تضبط نطاقها أو تحركها خصوصاً إن فرضت المعركة الميدانية نفسها.
المعضلة الأساسية التي يواجهها "حزب الله" ترتبط بالتكنولوجيا
الإسرائيلية التي تؤدي إلى إهدار جهوده، وحرب العام 2024 كانت خير دليل على ذلك. فإبان المعارك البرية التي حصلت، كانت أجواء "حزب الله" مكشوفة، فالعناصر المقاتلة كانت مرصودة بواسطة الطائرات المُسيرة، فيما استهدافها كان سريعاً. لهذا السبب، فإن معركة "حزب الله" في الجو خاسرة تماماً، إلا إذا كانت هناك وحدات معينة ستعمل على إسناد جويّ وناري ومدفعي خلال أي معركة برية، كما تقول المصادر المعنية بالشأن العسكري.
أمام كل ذلك، يقفُ "حزب الله" أمام أصعب الوقائع الميدانية، والسؤال الأساس هنا هو التالي: هل تعلم "حزب الله" فعلاً من دروس حرب الـ2024؟ الخطيئة التي يرتكبها "حزب الله" يومياً هو إعلانه عن ترميم قدراته، الأمر الذي يجعله هدفاً مستمراً لإسرائيل.
أيضاً، فإن الخطيئة الثانية لدى "حزب الله" هو أنه لم يُقفل "مزاريب المعلومات" عن قادته، في أماكن ضمن الوحدات السكنية، وهو ما يُعتبر هفوة من الطراز الأول، لأكثر من سبب، منه ما هو تكنولوجي ومنه ما هو أمني، بحسب المصادر.
الأخطاء كثيرة، لكن الخلاصة تكمن في التالي: إلى متى سيصمد "حزب الله" وهل سيستطيع ذلك في ظل مواجهته لتكنولوجيا متطورة؟ الأمور ستنكشف مع الأيام ولكن اصرار الحزب على المواجهة والصمود امر لا يمكن تجاهله ..