تخطت زيارة
البابا لاوون الرابع عشر إلى
لبنان إطار المحطة الرسمية في روزنامة دبلوماسية، بل كانت حدثًا وطنيًا بشحنة رمزية وروحية استثنائية. فبعد مغادرته الأراضي
اللبنانية، ظلّ صدى زيارته يتردد في الشوارع، في الجامعات، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، حيث بدا واضحًا أنّ لبنان عاش لحظة نادرة شكّلت تقاطعًا بين الأمل والبحث عن معنى وسط واقع مثقل بالضغوط.
توحّد اللبنانيون، ولو ليومين، حول مشهد بدا شبه غائب منذ سنوات: وحدة وجدانية تتخطى الانقسامات. مشاهد الحشود، والصلوات المشتركة، واللقاءات الرسمية والشعبية أعادت التذكير بصورة لبنان
القادر على استقبال العالم، وبقيمة دوره الرسالي والحضاري في محيط مضطرب.
كما شكّلت الزيارة دفعًا معنويًا للمؤسسات
الدينية والاجتماعية، ورسالة دعم للمبادرات الإنسانية التي تكافح وسط أزمات اقتصادية خانقة.
في بلد يعاني فيه جيل كامل من الإحباط، الهجرة، وانعدام اليقين، جاءت زيارة البابا كحدث كسر دائرة السلبية، وفتح نافذة صغيرة على أفق مختلف. وهنا برزت ثلاثة انعكاسات أساسية:
كثير من الشباب شعروا أن الزيارة ليست مجرد احتفال، بل فرصة للتأمل الداخلي. فكلمات البابا التي ركزت على الرجاء والصمود والانخراط الإيجابي، أعادت إشعال نقاشات حول معنى البقاء في لبنان، وحول إمكانية صناعة التغيير من الداخل.
تفاعل آلاف الشباب عبر التنظيم، التطوع، والترحيب بقدومه. هذا الانخراط أعاد لشريحة واسعة إحساسًا بأن العمل الجماعي ما زال ممكنًا، وأن المبادرات المدنية قادرة على التأثير بعيدًا عن السياسة.
بالنسبة لشباب يعيشون ضغط البطالة، الضبابية، وانعدام الأمان، شكّل الحدث نوعًا من إعادة ضبط المشاعر الجماعية. فيومان من الفرح، الموسيقى، اللقاءات، والرمزية الروحية وفّرا متنفسًا نادرًا في بلد فقد معظم لحظات الاحتفال الجماعي.
قد تكون الزيارة انتهت، لكن أثرها الاجتماعي ما زال يتفاعل. فالأسئلة التي أثارتها، خصوصًا لدى الجيل الشاب، أصبحت موضوع نقاش. فهل يتحوّل الشعور العابر بالرجاء إلى
التزام طويل المدى؟
قد يكون الشباب، بكل ما يشكلونه من نبض الشارع وحلم
المستقبل، هم الأكثر تأثرًا بهذه الزيارة، لأنها لامست فيهم ما هو أعمق من الانتماء الديني: لامست حاجتهم إلى الدعم، وإلى جرعة أمل تثبّت إيمانهم بأن لبنان، رغم كل شيء، ما زال قادرًا على النهوض.